خلال الحفل الذي نظمه معهد الإمام ورش لتحفيظ القرآن في موريتانيا بمدينة انواذيبو 4 ديسمبر, 2023 – بمناسبة تخرج دفعة جديدة من الطلاب الذين حفظوا القرآن الكريم أكد مدير المعهد إسلكو ولد حيده “أن المعهد يسعى إلى تطوير المحظرة الموريتانية وجعلها تواكب العصر، موضحا أن من شروط المعهد أنه لايتقبل أوقية واحدة من خارج الوطن وإنما من المنفقين على كتاب الله عز وجل من رجال الأعمال في موريتانيا والساعين لخدمة كتاب الله
وأضاف أن المعهد منح عناية خاصة للفئات الهشة والأقل حظا في التعليم ‘ لذلك فقد تم تخريج 500 حافظ للقران الكريم من مناطق “أدوابه” في أدغال الشرق، مشيرا إلى أن المعهد أدرج الإهتمام بالقراءات في موريتانيا.
وأكد أن المعهد يحرص على الاهتمام بالمرأة كاشفا النقاب عن وجود 300 من الحافظات والحاصلات على الإجازة”.
والحقيقة أن هذا إنجاز يستحق الإشادة والتنويه من طرف جميع الموريتانيين وخصوصا العلماء والكتاب ‘ ذلك أن القائمين على معهد الإمام ورش لتحفيظ القرآن في موريتانيا قد اعادوا للمحظرة اعتبارها وألقها ودورها الريادي الذي ظلت تلعبه في كافة الميادين خلال القرون والحقب الماضية
حيث قامت المحظرة في تلك الفترات الصعبة السابقة بوظائف التدريس ، والتربية والقضاء ‘والإفتاء ، والإمامة ، والوعظ ‘ والتوجيه ، والدعوة ، فجمعت بذلك وظائف المؤسسات الدستورية في الدولة الحديثة ، فكان لها دور متميز في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية ، والاقتصادية ، والاستشارية ، وحتى الأمنية ‘ ومقارعة المحتل الغازي .
وبذلك ظلت المحظرة الموريتانية تحمل مشعل الثقافة العربية الإسلامية في بلادنا ‘وقلعة حصينة للذود عن الأرض والعرض ،ورباط علم ‘ووسيلة للتربية وأداة لحفظ التراث ، وغذاء كاملا للروح.
ويؤكد هذا ما يراه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حين يقول إن ينبوع التاريخ الإنساني لايتمثل أساسا في قوى الإنتاج ووسائله وعلاقاته ، التي تشيع فيما بين الناس، كما تزعم المادية التاريخية ، التي يرى الكثيرون بأنها جملة اقتراحات للمستقبل ، وليس جملة تقريرات عن الواقع الذي كان التاريخ الإنساني يتطور على أساسه .
وبما أن معهد ورش هذا يعد صرحا قويا وملهما ‘ في الشأن الديني والدنيوي’ وله ما بعده ‘
لذلك فقد لجأت للاتصال بالأستاذ الكبير في معهد الإمام ورش لتحفيظ القرآن في موريتانيا الدكتور الشيخ المختار ولد آمين لكي يزودني بأسس ومنطلقات هذا المعهد الذي يعد ركيزة أساسية من أجل استعادة البلاد لهويتها والوقوف بحزم في وجه موجة الاغتراب والاستلاب الحضاري ‘ حيث أمدني – جزاه الله خيرا- ببعض المعطيات التي من ضمنها:
أن معهد الإمام ورش تأسس يوم 1/1/2010 على يد ثلة خيرة من أبناء هذا الوطن الذين جمعتهم الغربة بحثا عن التجارة في بلاد الصين ‘ وكانوا مجموعة من جهات الوطن المتنوعة’ برز أمامهم دافع أساسي ‘ وأربعة أهداف.
الدافع هو نضوب القرآن في الكثير من البئات التي كانت بئات قرآنية وقلة الحفاظ فيها ‘ هذا بالإضافة إلى البئات التي لم تكن أصلا بئات قرآنية ‘ ويغار المسلم الحق على وضعيتها واستمرار جهلها رغم أنها يبحث لها عن حقوقها من السياسيين ‘ وأول حقوقها وأهمها القرآن والعلم الشرعي.
كانت هذه المجموعة المؤسسة يبرز أمامها ذلك المكون الاجتماعي الذي كان محروما من التعليم بالإضافة إلى الجهات المنشغلة أصلا بغير التعليم أياكانت مكوناتها.
ومن خلال هذا العمل كانوا يودون تحقيق أربعة أهداف:
– الهدف الأول: هو نشر القرآن في تلك البئات بأنواعها المتنوعة ‘ مع التركيز أكثر على البئات التي كانت محرومة منه مثل (آدوابه) وما في حكمهم.
– الهدف الثاني: أن يعودوا الموريتانين على البذل من أجل حفظ القرآن الكريم ‘ مع حرصهم الشديد على أن لا يأخذوا أوقية من أي متبرع أجنبي.
الهدف الثالث: تطوير المحظرة القرآنية بإدخال الوسائل الإدارية والتعليمية الحديثة ‘ مع البقاء على الجوهر والمنهج والمقررات ‘ مع خاصية بقاء وقت المحظرة مفتوحا ‘ والطالب فيها يعتمد على همته.
– الهدف الرابع: أن يعيدوا الاعتبار لمعلم القرآن فقد كان يتسول من يدرس له ‘ وربما أعطي شيئا زهيدا جدا ‘ وربما عومل معاملة لا تليق بأن يسكن في مكان غير لائق ويعطى فضلات الأطعمة.
وشرطوا أن يكون راتب الأستاذ موازيا لرواتب البلد عموما أو متوسطا بينها أو منافسا لها ‘ فلا يقل عن مائة ألف أوقية ‘ ووضعوا لذلك ضوابط لغرض الزياده ‘ مع ضمان السكن والإعاشة لهؤلاء الأساتذة الذين يحملون في صدورهم القرآن الكريم ..
وقد أحسن الشاطبي حين قال:
فَيَا أَيُّهَا القاري به مُتَمَسِّكاً
مُجِلاًّ لَهُ في كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلاَ
هَنِيئاً مَرِيْئاً وَالِدَاكَ عَلَيهِمَا
مَلابِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاَ
فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ
أُوْلَئِكَ أَهْلُ اللَّهِ وَالصَّفْوَةُ المَلاَ.
واعتمادا على ماذكره المدير المساعد لمعهد ورش الشيخ عالي ولد يسلم في المقابلة التي أجرتها معه قناة المرابطون 10/10/ 2022 فإن الهدف الكبير للإدارة هو زيادة عدد الحفاظ والحافظات لكتاب الله العزيز ‘ وأن يواصل هؤلاء الطلاب والخريجون دراستهم حتى يكونوا علماء في تخصصات متنوعة ليفيدوا المجتمع ويخدموه أكثر.
وخلال هذه المقابلة تطرق الشيخ عالي ولد يسلم إلى أن 700 حافظ وحافظة قد تخرجوا من فرع معهد ورش في جكني’ و قد حصل أزيد من 200 من هذا العدد على الإجازة في مقرأ الإمام نافع ‘ ومن هذا العدد كذلك حصلت مجموعة لا بأس بها على الإجازة في القراءات السبع والعشر’ بعضهم تحول إلى أساتذة يدرسون في المعهد وبعضهم يواصل دراسته في المعهد ويعتبرون مشاريع علماء ‘ وبعضهم يدرس في الجامعات .
كذلك فإن معهد ورش قد اهتم بتدريس أبناء المناطق الأقل تعلما مثل (آدوابه) حتى تخرجوا وأصبحوا أساتذة في المعهد يدرسون في قراهم الأصلية’ وقد تميزوا في العديد من المسابقات ‘ بعد أن كانوا في محيط يعجز بعض كبار السن فيه عن قراءة الفاتحة.
وتأكيدا لنجاح هذا المعهد في مهمته التربوية فإن نسبة 50% من أساتذته اليوم هم أصلا من الطلاب الذين تخرجوا من معهد ورش لتحفيظ القرآن في موريتانيا.
وبما أن قالب هذا الموضوع لا يسمح بكتابة جميع المعطيات التي تلفت الانتباه إلى أهمية النهوض بالمحاظر وتشجيع المشرفين على إدارتها ‘ والتأكيد المطلق على أنهم بهذا العمل الجليل قد نالوا شرف أداء الواجب نيابة عن المجتمع ‘
فإن هذه المعالجة برمتها سوف تكون ناجحة إذا استطاعت فقط أن تسلط الضوء على هذا الموضوع الذي يتعين على كل واحد منا أن يساهم فيه ماديا أو معنويا أو ثقافيا.