لا يوجد شيئ يجمع عليه الموريتانيون الآن مثل المطالبة بتخفيض أسعار الاسمنت، ولا يوجد موقف أكثر غرابة وإيغالا في احتقار المطالب الجماهيرية من ذلك التعبير الذي علق به وزير التجارة على المطلب الجماهيري والحراك النوعي الذي قامت به نخب من الشباب الموريتاني الواعي بدوره والخادم لوطنه.
ويجب هنا التأكيد على أن المعلومات أصبحت متاحة للجميع فتكلفة الإنتاج معروفة وكذلك تكلفة النقل ورسوم الجمركة والضرائب..فأي معطيات غائبة عن المواطن؟
ثمة عقلية مترسخة في الإدارة الموريتانية، قوامها أن المواطن لا يملك حق الاقتراح، ولا يملك حق الرفض والا الاحتجاج، ولا يحق له أن يتأثر من واقع يطحنه ولا من سياسات تفرض عليه سقف الفطر وفراش المسكنة والإهانة.
وعندما تنزعج السلطة، وتحس بالفعل أنها مرغمة على اتخاذ قرار تتطلبه الظروف، فإنها تختار المسؤول الأكثر قدرة على زراعة الشك وتدمير الثقة بين المواطنين والدولة ليقول بكل عجرفة لا شيئ يدفعنا إلى التنازل ولن نرضخ ولا نتأثر بالاحتجاجات.
لا يوجد أي نظام يستمد قوته من رفض آراء المواطنين ولا الصلف تجاه مطالبهم، ولا توجد أي سلطة تملك الحد الأدنى من الرشد السياسي تعتمد على خطاب متكبر يمعن في مصادرة حق التعبير والمطالبة من المواطنين.
إن أزمة الاسمنت هي المظهر الأبرز للشراكة الظالمة بين الإمارة والتجارة، ولطحن الجماهير
إن المدن القميئة التي يعيش تحت أسقفها الواطئة عدد هائل من الفقراء، الذين لا يمكن أن يفكر أحدهم في الحصول على قطعة أرض صغيرة بفعل غلائها الهائل، وإذا حصل بشق الأنفس على أشبار من الأرض فإن جشع تجار الاسمنت سيمنعه من تشييد عش يأوي إليه، هي مدن صنعها الظلم وارتهان الدولة للتجار، وتحول المال إلى دولة بين الأغنياء.
هل يعقل أن تمنح الدولة الموريتانية أكثر من خمسة آلاف قطعة أرضية، وتسميها حياة جديدة، ثم تمنع على أولئك الفقراء الحصول على الأسمنت بأسعار معقولة، لأن ذلك يضر بمصالح ثلة من التجار يديرون المال والثراء دولة بنيهم.
كيف يمكن لآلاف المنازل الصغيرة التي حطمت في التأهيل الجديد في تامشكط ولعيون وجيكني وتمبدغة والطينطان وكيفة، أن يشيدوا ما يقيهم الحر والقر والبرد، وتكاليف غرف صغيرة قد تزيد على 10 آلاف دولار.
شر البلية مايضحك..
قبل أيام نشر أحدهم مقارتة بين قطعة أرضية فيما يظهر أنها غير ممهدة، وبين شقة سكنية في أسبانيا ولم تكن المقارنة واردة، لأن تسعيرة الشقة السكنية المقروشة المعروضة للبيع في أسبانيا هي 21 مليون أو قية قديمة، في حين أن القطعة الأرضية الواقعة في الصحراء شمال نواكشوط معروضة للببيع بسعر 55مليون أوقية جديدة رضية.
أسعار طن الأسمنت في الدول المجاورة حسب المهندس أحمد ول الناهي الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني:
— المغرب 22.760 أوقية قديمة
— الجزائر 15.400 أوقية قديمة
— مالي 28.000 أوقية قديمة
مصر 17000 أوقية قديمة
— الستغال 25.000 أوقية قديمة
أما غامبيا فرغم أنها تستورد الأسمنت من السنغال إلا أن أسعار الاسمنت فيها (44.000 أوقية قديمة) أقل بكثير مما عليه الحال في موريتانيا
أما في موريتانيا فيبلغ سعر طن الأسمنت 65.000 أوقية قديمة.
فهل يخادع الرئيس الغزواني نفسه، أم يقبل أن يخدعه التجار المتربحون والوزراء المرتهنون لرجال الأعمال.
هل يعتقد أن بإمكانه أن يحصل على حب ووفاء شعب، يمنع عليه بناء بيت يأويه، يمنع عليه الحصول على كلغ من الأرز بسعر معقول، شعب يتعهده الوزراء بالتوبيخ والتحقير، والتجار بالمغالاة والإهانة.
ترى هل توجد سلطة في هذا البلد غير سلطة التجار، هل يوجد حكم غير حكم الجشع….متى يفيق من بيده الحكم..ومتى يعلم أن الله سائله عن الجوعى المرهقين.