
بقلم: الدي عالي علادة ، باحث في قضايا الهجرة والتحول الاجتماعي وخبير استرتتيجي ناشئ
في خضم عواصف الهجرة وتداعياتها المتلاحقة، لم يعد الحديث عن الأجانب المقيمين في موريتانيا مجرد ملف إنساني، بل أصبح تحديًا سياديًا وسياسيًا واجتماعيًا وأمنيًا. فحين ترفض الأغلبية الساحقة من المهاجرين تسوية أوضاعهم القانونية رغم تسهيلات الدولة، علينا أن نطرح السؤال بجرأة: هل نحن أمام هجرة عابرة… أم زحف صامت نحو اختراق البنية الوطنية؟
وزير الداخلية واللامركزية، الدكتور محمد أحمد ولد محمد الأمين، لم يوارب في خطابه الأخير داخل البرلمان، بل قالها صراحة وبلغة الأرقام: من أصل 136 ألف أجنبي في البلاد، لم يتقدم إلا 10 آلاف فقط للحصول على الإقامة المجانية التي فتحتها الدولة سنة 2022، في مبادرة كريمة وغير مسبوقة. لماذا؟ ما الذي يدفع إنسانًا للإقامة في بلد ما دون أي سند قانوني، وهو يعلم أن الفرصة أمامه متاحة دون مقابل؟
الجواب واضح: نوايا مبيتة، واندماج مزيف، وتحايل مسبق على التكوين الديمغرافي الوطني، في مسعى خبيث إلى خلق واقع سكاني جديد، يُطالب لاحقًا بالجنسية تحت ذريعة الاندماج أو التشابه الإثني.
من بلد عبور إلى بلد استقرار… الخطر يتعاظم
موريتانيا التي كانت قبل عقدين بلد عبور نحو أوروبا، أصبحت اليوم مقصدًا للهجرة. هذه ليست وجهة نظر، بل حقيقة تؤكدها 69 محاولة هجرة سرية أحبطتها الدولة خلال 2024 وحده، منها 34 من نواكشوط و35 من نواذيبو، كما تم العثور على عشرات الجثث على الشواطئ الوطنية. هذه الأرقام لم تعد تُثير التعاطف، بل تستدعي الاستنفار الوطني.
وقد رصدت السلطات، من خلال أجهزتها المختصة، حالات متعددة لأجانب يرفضون بشكل متعمد ومتكرر تسوية أوضاعهم رغم إعلامهم وتسهيل الإجراءات لهم، في سلوك يشي بنيّة خبيثة لفرض أمر واقع، بل إن بعضهم انخرط في المدارس والأسواق والمجتمع المحلي دون أي وثائق، في محاولة للاندماج غير المشروع وتغيير الهوية تدريجيًا.
منحٌ بلا مقابل… ومَن الذي يُزايد؟
الدولة لم تتخلَّ عن مسؤولياتها. منح الإقامات مجانًا، تحسين مراكز الإيواء، المعاملة الإنسانية، الرقابة الدولية… كل ذلك تم، ولا يزال. فمن يُزايد إذًا؟ من يتحدث عن “الطرد التعسفي” أو “الترحيل السياسي”؟ هؤلاء إما جاهلون بحقائق الأمور أو متاجرون بالمبادئ.
ويُلاحظ أن بعض الخطابات السياسية قد تُحمّل هذا الملف أبعادًا دعائية أو شعبوية، تُخرجه عن سياقه السيادي، وهو ما يفرض الحذر من تسييس قضية تمس الأمن القومي، ويُحتم على الجميع دعم الجهد الرسمي لا معاكسته لأغراض سياسية آنية.
البُعد الإقليمي والدولي… موريتانيا ليست وحدها
إن ما تقوم به موريتانيا ليس إجراءً استثنائيًا، بل يتماشى مع السياسات الإقليمية والدولية الرامية إلى ضبط حركة البشر وحماية الدول من الفوضى الديمغرافية. وقد أثبتت موريتانيا حسن نيتها من خلال التزاماتها في قمم الساحل، وشراكتها مع الاتحاد الأوروبي، ومع مختلف الشركاء في قضايا الأمن والهجرة والتنمية.
السيادة لا تُناقش… والعبث بالأمن القومي خط أحمر
إن خطورة هذا الملف تكمن في أمرين:
1. تكوين جاليات غير مندمجة قانونيًا لكنها فاعلة اجتماعيًا وإعلاميًا، ما يُهدد التوازن الوطني.
2. التحول الصامت لهؤلاء إلى أرقام في البطاقة الوطنية، عبر التسلل أو التزوير أو التواطؤ.
وهنا يجب أن يُقال بوضوح:
الدولة الموريتانية لن تُرهبها صيحات المشككين، ولن تخضع للابتزاز باسم الحقوق، بل ستواصل فرض القانون، وترحيل المخالفين، وضبط الهجرة وفق رؤيتها السيادية وحدها.
دعوة للوطنية… لا للمزايدات
ملف الهجرة ليس منصة للاستعراض ولا للمظلومية. إنه قضية وجودية تتعلق بمستقبل الدولة، وهو ما يتطلب من كل القوى الحية دعم السلطات في مواجهة هذا التحدي، وفضح كل من يحاول المتاجرة بهذا الملف أو استخدامه ضد وحدة الوطن وأمنه.
ومع ذلك، فإن الباب لا يزال مفتوحًا أمام كل من يرغب في العيش الكريم في كنف القانون، لأن موريتانيا دولة ضيافة ونبل، لكنها ليست ساحة فوضى أو عبور مستباح.