واشنطن- يستغرب كثير من المعلقين الأميركيين من محاولة إدارة الرئيس جو بايدن التوصل إلى اتفاق يسمح بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، والإفراج عمن تبقى من أسرى ومحتجزين لدى حركة حماس، وذلك وسط احتدام موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية، في وقت لا يستخدم فيه البيت الأبيض ما يملك من أدوات لدفع إسرائيل إلى قبول المقترح الأميركي.
ومن مقر عطلته بولاية كاليفورنيا، هاتف بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بحضور افتراضي لنائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية لانتخابات 2024 الرئاسية كامالا هاريس، من مدينة شيكاغو حيث توجد في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، في ما يعكس أهمية بالغة للبيت الأبيض لإنهاء الحرب.
4 أشهر من المحاولات
تفتقر إدارة بايدن، التي لم يتبق لها سوى أقل من 5 أشهر في السلطة، إلى إنجاز دبلوماسي كبير في سياستها الخارجية بصفة عامة، في حين أن سجلها في التعامل مع الشرق الأوسط فاشل في أحسن الأحوال.
وبعثت واشنطن خلال الأيام الأخيرة برسائل مفادها أننا “أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق في غزة”. وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن الاتفاق كان قاب قوسين أو أدنى، لكن المفاوضات الجارية منذ أوائل العام يبدو أنها فشلت مرارا وتكرارا. وخلال زيارته الأخيرة لإسرائيل يومين، صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ببلوغ “لحظة حاسمة، وربما الفرصة الأخيرة” للتوصل إلى اتفاق.
وعلى مدار الأشهر الأربعة الأخيرة منذ طرح الرئيس الأميركي لما عرف بمبادرة بايدن لوقف القتال في غزة والإفراج عن الأسرى، عملت واشنطن، مع القاهرة والدوحة، بلا جدوى لتنفيذ هذ الاتفاق بسبب التعنت الإسرائيلي.
وفي تصريحات صحفية قبل مغادرته العاصمة القطرية، قال بلينكن إن “الوقت من ذهب لأن راحة الرهائن وحياتهم معرضة للخطر مع كل يوم يمر، الوقت من ذهب لأن النساء والأطفال والرجال في غزة يعانون مع كل يوم يمر من دون إمكانية الحصول على غذاء ودواء مناسبين ويعيشون في خطر التعرض لإصابة أو فقدان حياتهم في خضم قتال لم يبدؤوا به ولا يستطيعون إيقافه”.
اتساع رقعة النزاع
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يكرر أركان إدارة بايدن أن أحد أهم أهداف واشنطن يتمثل في عدم امتداد بقعة الصراع خارج أراضي قطاع غزة، إلا أن هذا الهدف أصبح صعب المنال مع استمرار المناوشات والعمليات العسكرية المحسوبة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، واستمرار عرقلة جماعة الحوثيين باليمن للملاحة بالبحر الأحمر، فضلا عن هجمات الفصائل المتحالفة مع إيران داخل العراق على القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة.
وخلال جولته الأخيرة بالمنطقة، كرر بلينكن أن اتفاق غزة “هو المفتاح” لاستقرار المنطقة. وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأنها ستعرقل المفاوضات، فإن الاغتيالات الأخيرة في بيروت وطهران لم توقف الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
مصلحة أميركية
ورأى بلينكن أن التوصل إلى اتفاق بشأن غزة يعدّ مصلحة أميركية، “فما زال ثمة مواطنون أميركيون بين الأسرى في غزة، وقد كنت واضحا بالقول إن المصلحة الأميركية هي بالتأكد من إعادة مواطنينا إلى منازلهم وأسرهم واستعادة رفات من فقدوا حياتهم”.
ويخشى قادة الحزب الديمقراطي من استغلال الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب لاستمرار احتجاز حركة حماس لـ5 مواطنين أميركيين من مزدوجي الجنسية. ويكرر ترامب أن ضعف إدارة بايدن شجع حماس على شن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأنه لو كان في الحكم لما اندلع هذا الصراع، فضلا عن استغلاله لقضية المحتجزين الأميركية لإحداث ضعف في إدارة بايدن -هاريس.
وأشار براين كاتوليس، المسؤول السابق بإدارة باراك أوباما، والخبير بمعهد الشرق الأوسط، إلى وجود تحديين أساسيين أمام الدبلوماسية الأميركية، وهما: “أولا، أن الطرفين الرئيسيين، حماس وإسرائيل، يواصلان استخدام القوة والعنف في مواجهتهما المستمرة. وثانيا، يواصل الطرفان إضافة مطالب تهدف إلى تشكيل بيئة ما بعد الصراع”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، السفير ديفيد ماك، إلى أن “هناك أسبابا داخلية وأسبابا تتعلق بالسياسة الخارجية لبقاء إدارة بايدن-هاريس نشطة في محاولة إقناع حماس والحكومة الإسرائيلية بالموافقة على مقترحات سد الفجوة للمفاوضين الأميركيين والمصريين والقطريين”.
وقال “نحن نراقب الضرورات المحلية التي تكشف عن نفسها في شيكاغو حيث كرست العديد من الجهات جهدا كبيرا للتأثير على برنامج الحزب الديمقراطي والآراء التي يعبر عنها المرشحون علنا في هذا الإطار”.
هدف استعراضي
من جانبها، رأت خبيرة الشؤون الدولية آسال أراد -في حديث للجزيرة نت- أن بايدن وهاريس “يبذلان كل هذا الجهد بهدف الاستعراض وليس من أجل إنهاء المذبحة في غزة، مشيرة إلى الضغوط الدولية والمحلية لمحاسبة إسرائيل، ووقف الحرب التي أودت بالفعل بحياة أكثر من 40 ألف شخص ولا يزال الآلاف في عداد المفقودين، وإنهاء صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
وأضافت أن إدارة بايدن-هاريس تريد أن تبدو كأنها تستمع إلى الرأي العام وتلتزم بالقانون الدولي والمحلي؛ “هذا صحيح بشكل خاص مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بسرعة، واستمرار الاحتجاجات في الأحداث الانتخابية مثل المؤتمر العام للحزب الديمقراطي”.
وعما إذا كان لدى البيت الأبيض أي نفوذ حقيقي وإرادة للضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات، قالت آسال أراد إن “البيت الأبيض لديه نفوذ هائل على الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو، لكنهم ببساطة يرفضون استخدام هذا النفوذ”.
وأوضحت أن البيت الأبيض لم يرفض فقط استخدام هذا النفوذ، مثل مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، وبيع الأسلحة، والحماية الدبلوماسية، بل كوفئت إسرائيل بالفعل بمزيد من التمويل والأسلحة، مثل تخصيص 20 مليار دولار إضافية من الأسلحة التي تمت الموافقة عليها أخيرا لإسرائيل.
ورأى السفير ديفيد ماك أن “البيت الأبيض يتمتع بنفوذ بموجب القانون الأميركي الذي يبرر حجب المساعدات العسكرية وشحنات الأسلحة إلى إسرائيل، لكن تعاطف بايدن على مدى حياته مع إسرائيل يمنعه من الانفصال بوضوح عن نتنياهو، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أساء إلى صداقة بايدن لإسرائيل نفسها.
محمد المنشاوي