نطالب بتكييف العقوبة على أساس حد الحرابة والإفساد في الأرض، وتطبيقه على كل مغتصب؛ أقدم على هذا الفعل المجرم، ولنا في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء الراسخين؛ التأصيل الشرعي، والقول الفصل الذي لا مراء فيه.
وأقوال العلماء وإن تباينت في الإجتهاد في المسألة، فإن واقع الناس، يقوي العمل ببعض الأقوال المرجوحة لحاجة الناس وتغير الحال وفساد الزمان ورقة الدين وغياب الوازع من الورع.
ثم إنه لا خلاف على الضروريات الخمس وحفظها سواء أكان ذلك من جهة الوجود أم من جهة العدم.
وقد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحارب ؛ “فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وأبو ثور: إنه من شهر السلاح في قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه..”. فتح البيان للقنوجي.
وذكر الماوردي في أقوال العلماء حول المستحق لاسم المحارب ما يأتي:
” واخْتُلِفَ في المُسْتَحِقِّ اسْمَ المُحارِبِ لِله ورَسُولِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُ هَذِهِ الآيَةِ عَلى ثَلاثَةِ أقاوِيلَ:
أحَدُها: أنَّهُ الزِّنى والقَتْلُ والسَّرِقَةُ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ.
والثّانِي: أنَّهُ المُجاهِرُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ والمُكابِرُ بِاللُّصُوصِيَّةِ في المِصْرِ وغَيْرِهِ، وهَذا قَوْلُ الشّافِعِيِّ، ومالِكٍ، والأوْزاعِيِّ.
والثّالِثُ: أنَّهُ المُجاهِرُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ دُونَ المُكابِرِ في المِصْرِ، وهَذا قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ، وعَطاءٍ الخُراسانِيِّ”. النكت والعيون للماوردي.
والإفساد في الأرض عند بعض أهل العلم يكون بالقتل والجراح وإخافة الناس؛ يقول ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير:” الفَسادُ” فَهو القَتْلُ والجِراحُ وأخْذُ الأمْوالِ، وإخافَةُ السَّبِيلِ”.
وأما الحرابة عند مالك بن أنس رضي الله عنه، فقد ذكرها ابن جزي الغرناطي المالكي في التسهيل لعلوم التنزيل : “المحاربة عند مالك هي: حمل السلاح على الناس في بلد أو في خارج بلد”.
ونقل ذلك صاحب المحرر الوجيز
:” فَقالَ مالِكُ بْنُ أنَسٍ – رَحِمَهُ اللهُ -: اَلْمُحارِبُ عِنْدَنا مَن حَمَلَ عَلى الناسِ السِلاحَ في مِصْرٍ؛ أو بَرِّيَّةٍ؛ فَكابَرَهم عن أنْفُسِهِمْ؛ وأمْوالِهِمْ؛ دُونَ نائِرَةٍ ولا دَخْلٍ ولا عَداوَةٍ”.وقالَ هَذا القَوْلَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ،
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ – رَحِمَهُ اللهُ -: يُرِيدُونَ أنَّ القاطِعَ في المِصْرِ يَلْزَمُهُ حَدُّ ما اجْتَرَحَ مِن قَتْلٍ؛ أو سَرِقَةٍ؛ أو غَصْبٍ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ والحِرابَةُ رُتَبٌ؛ أدْناها إخافَةُ الطَرِيقِ فَقَطْ؛ لَكِنَّها تُوجِبُ صِفَةَ الحِرابَةِ؛ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَأْخُذَ المالَ مَعَ الإخافَةِ؛ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَقْتُلَ مَعَ الإخافَةِ؛ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ”.
وعند الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أن الإمام مخير في عقوبة المحارب إلا إن كان قتل فلا بد من قتله: “ومذهب مالك أن الإمام مخير في المحارب … إلا أنه قال: إن كان قتل فلا بدّ من قتله..”. ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل.
والغالب في جرائم الإعتداء على الأعراض أنها تنتهي بقتل النفس، وهذا يتطلب تطبيق حد القصاص؛ والنفس بالنفس.
وقد فسر مجاهد الحرابة والإفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل؛ في جامع البيان لابن جرير الطبري:
“وقال مجاهد بما: حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله:”إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا” قال: الزنا، والسرقة، وقتل الناس، وإهلاك الحرث والنسل.
وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد:”ويسعون في الأرض فسادًا” قال:”الفساد”، القتل، والزنا، والسرقة”.
والاعتداء على أعراض النساء أشد من الإفساد في الأرض؛
يقول الإمام القرطبي في تفسير آية حد الحرابة:
“إخافة الطريق بإظهار السلاح قصدا للغلبة على الفروج، فهذا أفحش من المحاربة، وأقبح من أخذ الأموال وقد دخل هذا في معنى قوله تعالى:(( وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا )). القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
وكذلك ابن العربي: “ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج…” ابن العربي، أحكام القرآن.
وقد يقول البعض أن كثرة جرائم الإعتداء على الأعراض بسبب تفشي ظاهرة قلة الحياء وغياب التستر و ترك المحافظة على اللباس الشرعي للمرأة؛ هذا قول له حظ من النظر، وينبغي للنساء والفتيات الحرص على امتثال أمر الله تعالى في الخروج من البيوت والتمسك بالأخلاق الفاضلة والابتعاد على مواطن الشبهات.
ولكن وجود بعض الإعتداءات على بنات صغيرات في سن الرضاعة، وأخريات في الخدور لا يبرزن للخارج، ونساء قواعد كبيرات في السن، والاعتداء على الأمهات أمام الأبناء والبنات، وعلى فتيات عفيفات أمام نظر أب مقعد عليل كسير، في حوادث تقشعر لها الأبدان وتترك آثارا نفسية غائرة لا تذهب بتعاقب الليالي والأيام،
واغتصاب الذكور من الأطفال، وإتيان الذكران، وارتكاب الجرم الفاحش من قبل من الأصل فيه الوصاية والرعاية والحماية؛ الأب، الأخ، العم، زوج الأم؛ يجعل الأمر عائدا إلى أسباب متعددة ..
مثل غياب الوازع الديني، وانتشار استعمال المخدرات، فساد الأخلاق المرتبط باستخدام التكنلوجيا الحديثة الغير مراقبة، تنامي ظاهرة الطلاق المبكر في المجتمع، غياب القدوة المربي في البيت، محدودية تأثير أصحاب الرأي والفكر، التباعد المتنامي بين الأئمة والخطباء والمرشدين مع الفئات المختلفة من المستهدفين بالإرشاد والتوجيه ..
وكذلك الضغوط الاقتصادية والاجتماعية للحياة المعاصرة، السكن في أماكن مفتوحة غير محكمة الإغلاق، ما يتطلب استحداث مساكن شعبية آمنة، الهجرات المتتالية من الريف إلى المدينة دون أخذ في الحسبان لخطورة السكن في المدن، استقرار بعض طالبي الهجرة إلى أوروبا في المدن الرئيسية وممارستهم لأعمال السطو والاعتداء بحثا عن المال واستقطابهم لأجيال ضائعة في متاهات المخدرات والمؤثرات العقلية، وغير ذلك كثير يضيق المقام عن ذكره ..
إن الحاجة الماسة إلى عقوبات رادعة لكل من يثبت عليه القيام بالاعتداء على الأعراض، فإن لم تكيف على أساس أنها حرابة ..
فلا أقل من قطع أداة الجريمة بالإخصاء التام، والجزاء من جنس العمل ..
يضاف إلى ذلك وضع خطط تنموية تعمل على استشراف أسباب الجريمة، وتعالجها من الجذور، جمعا بين التأديب الأبوي والعلاج بقطع العضو الفاسد من جسم المجتمع.
حفظني الله وحفظكم من كل مكروه.
حسبنا الله ونعم الوكيل.