المواضيع الرئيسيةمقالات

مجرد خاطرة تحتاج المراجعة | دداهي ولد الهادي

ول الطايع لا تمكن محاكمة نظامه من خلال واقع مختلف، وأفكار تقدمية، بعيدة من زمانه الجيوسياسي، ومكانه الاستيراتيجي، ذي الطابع البدوي آنذاك، أيام تربعه على السلطة.

كان حاكماً محترما، حافظ على وجود الدولة، وهيبتها إلى حد كبير، ولم يكن منغمسا في التحصيل، وليس قبليا كما يتصور معظم الناس، وإن كانت حياته مسرحا لكثير من الممارسات ذات البعد القبلي.

دافع ول الطايع عن وطنه ببندقيته، في حرب الصحراء، ومارس التعليم في بدايات حياته قبل ذلك، وكان وطنيا، لكن نظام القبائل ظل يشكل خطرا على حكمه، برغم ما حاوله جاهدا من استرضائهم، وكسب ولائهم.

رغم افرانكفونيته فقد كان له الفضل في عروبة الوطن، ورغم اتهام نظامه بالديكتاتورية من مناوئيه، فقد كان صاحب دستور التعددية الحزبية، وحرص على الانخراط في التيارات العالمية للديموقراطية، التي بدورها ظلت حبيسة النزعة القبلية.

أما الانقلاب فكان بداية حراك شبابي، جاء ترجمة لثورة على المظالم، التي لم تنقص موريتانيا يوما، وقاده الضابط صالح ول حنن، وهو عربي قح، من قبيلة محترمة، عانى ورفاقه من الظلم الغاشم في المؤسسات العسكرية، التي في تلك الفترة أرهقتها الوساطة، والمحسوبية، والزبونية، لأسباب لم يستطع ول الطايع نفسه كبح جماحها.

داخليا في اسماسيد كان ول الطايع مرتهنا لمجموعة ضيقة -تعد على الأصابع- من محيطه الاجتماعي، فرضت نفسها بقوة، عليه، وعلى المشهد السياسي، ولم تكن اسماسيد قبيلته إلا جزءً من الوطن، تعيش واقعه، متماهية مع سرائه، وضرائه.

إن واقع اسماسيد في علاقتهم بالدولة فرض طبيعة خاصة، إذ أنهم برغم كثرة التجار، ورجال الأعمال، فإن رجال الدولة الأطر كانوا قلائل في المجموعة، ولم تسمح الأوليغارشيا المتحكمة في النظام آنذاك لمعظم المجموعة بأن تكون شيئا مذكورا، رغم شهرة المجموعة بالكرم، والشهامة، ولكن معظم ذلك يمارس خارج المجموعة.

وباستثناء واحد أو اثنين من أبناء عمومة ول الطايع، فلم يكن هنالك سعي لتشغيل الشباب بالوساطة، خاصة شباب القبيلة.

الرئيس صالح فتح القمقم، ولكنه لم ينجح في مسعاه، هو ورفاقه، وهنا شعر أمن ول الطايع بوهن النظام، فانقلبوا عليه، ولكن بعض هؤلاء لم ير في الانقلاب إلاّ ما ترويه “حكايات ألف ليلة، وليلة عن كنوز عالي بابا، والأربعين حرامي”.

ول الطايع لم يتلطخ شخصيا بالمال العام، ولكن أركان نظامه، وكثيرا من الزبانية لم يتركوا دانقا، ولا فلسفاً.

ول الطايع لم يستفد من الوساطة ليصبح ضابطا ممتازا، ولكن بعض أركان نظامه صنعوا ضباطاًّ ممتازين، لم يحملوا البنادق في حرب الصحراء، ولم يكونوا ضحايا كربلاء.

عرف ول الطايع بالتسامح، وحب الخير للناس، وهو ما لا يشاطره فيه معظم أركان نظامه، فهو سعى لتمكين الجميع، وأحبّ الخير للوطن، ولكن الزبانية تلاعبوا به، فحجبوا نيته الصادقة، ووضعوا نظام التزكية الخاص بهم، وحرموا المواطن من رحمة الوطن، وخيراته.

بعد ول الطايع تم استهداف قبيلته بشكل ممنهج، غنيهم، وفقيرهم، وأطرهم.

لقد تنفست حاضنة ول الطايع الاجتماعية الصعداء، بعد الميز العنصري ، الذي طالها، والآبرتايد الممارس عليها، من قبل حلفائها السابقين، ورفعت سقف أحلامها بمجيء الرئيس/ الغزواني، ولكن نظام التزكية الداخلي أصبح أكثر تعقيدا.

يعتبر ول الطايع في الخيال الشعبي رئيسا ميمونا، حسن الطالع، حتى في نمط خروجه من السلطة، ومغادرة الحكم، فلقد أعطاه الله مهجرا آمنا، دخل الفرد فيه هو الأعلى عالميا، ووهبه الله نعمة العافية، والأمن، والطمأنينة، زاده الله عزا وفضلا وسؤددا.

لم يبتسم الحظ حتى الآن لرئيس موريتاني كما فعل مع ول الطايع، إذ حياته دون مزايدة هي ترجمة حرفية للأثر القائل : “صنائع المعروف تقي مصارع السوء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى