الاخبارالمواضيع الرئيسية

نهجُ الحماسة/عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ

لقد اعتادوا أن يُنشدونا مما استحسنوه نصوصاً شعريةً قصيرةً من بيتين أو ثلاثة فإن طالت لم تكد تتجاوز أربعة أو خمسة أبيات، وربما أنشدونا أبياتاً قليلة انتقوها من قصيدة طويلة ولفقوا منها قطعة قصيرةً على نهج أبي تمام في حماسته … وأحياتاً – وإن كانت الحالة الأقل – يكتفون بإنشاد بيت واحدٍ من نص شعري، قد يكون مطلعاً وقد يكون غيره، وكأنهم يجدون فيه من قوة الموسيقى أومتانة السبك أوحسن الشاعرية أوكثافة المعنى أوالألق الشعري أو بعض تلك الميزات أو كلها مجتمعة ما يجعل فيه غنًى عن غيره ويؤهله بالتالي لأن يكون وحدة شعريةً مُتكاملة. 

 

ولهم في ذلك سنة غير مهجورة، فكم بيت نافحت محاسنه حتى نال حكمه الذاتي باعتراف الجمهور فنُسِيت أو كادت تُنسى نسبته إلى نصه الأصلي … ولعل لأبيات أبي الطيب المتنبي أكثر نصيب من التحرر والانعتاق … فكم بيتٍ مُفرَد من شعره حمل من الحكمة والكثافة الدلالية ما جعله يشتهر بين الناس ويسير كالمثل تنشده وتتمثله الخاصة والعامة على حد السواء.

 

فمما اعتادوا أن ينشدونا من أفراد هذه الفئة الأخيرة قولُ الشاعر الأموي جرير بن عطية الخطفي في النقائض :

 

لِمنَ الديارُ ببُرقة الروحانِ

إذ لا نبيعُ زمانَنا بزَمانِ

 

والبيت من قصيدة طويلة يقول فيها جرير بعد عشرات الأبيات، متحلياً بسلاسة شعره المتفردة ومعرضاً بالشاعر الأخطل التغلبي النصراني :

 

يا ذا العَباءَةِ إِنَّ بِشراً قَد قَضى

أَن لا تَجوزَ حُكومَةُ النَشوانِ

 

فَدَعوا الحُكومَةَ لَستُمُ مِن أَهلِها

إِنَّ الحُكومَةَ في بَني شَيبانِ

 

ثم يستعيد جرير نبرته الجاهلية ذات السبك القوي والجزالة المتجذرة :

 

كذبَ الأُخَيْطِلُ إن قومِي فيهمُ

تاجُ الملوكِ ورايةُ النعمانِ

 

مِنْهمْ قُتَيبةُ والمُحِلُّ وقَعْنَبُ

والحَنْتَفَانِ ومنهمُ الرِّدْفانِ

 

ومما ينشدون كثيرا بيتاً للفرزدق في النقائض أيضاً مِن شعرٍ فخرُه أكثرُ مصداقية من فخر جرير على تفوق هذا رقةً وسلاسةً :

 

فإنك إذْ تسعى لِتُدركَ مجدنا

لأنتَ المُعنَّى يا جريرُ المُكلَّفُ

 

وربما أضفت لهذا البيت من عندي أبياتا من نفس القصيدة في شكل خماسية فخرية لطيفة :

 

وَما قَامَ مِنّا قائِمٌ في نَدِيّنَا

فَيَنْطِقَ، إلاّ بالّتي هِيَ أعْرَفُ

 

لَنَا العِزّةُ القَعساءُ وَالعَددُ

الذي عَلَيْهِ إذا عُدَّ الحَصَى يتَحَلّفُ

 

إذا هَبَطَ النّاسُ المُحَصَّبَ مِنْ مِنىً

عَشِيّةَ يَوْمِ النّحرِ من حيثُ عَرّفُوا

 

تَرَى النّاسَ ما سِرْنا يَسِيرُونَ خَلفَنا،

وَإنْ نَحنُ أوْمأنا إلى النّاسِ وَقّفُوا

 

ومن ذلك أيضا بيتَ الفارعة بنت طريف الشيبانية في رثاء أخيها الوليد بن طريف من قطعة مؤثرة تمثل بيتها المقصودَ الإمامُ بداه رحمة الله عليه فوق المنبر في سياق خاص بداية ثمانينيات القرن الماضي :

 

أيا شجرَ الخابورِ ما لكَ مُورقاً

كأنكَ لم تجزَعْ على ابن طريفِ

 

تقول الفارعة بعد ذلك في مقطع مشحون بالأشواق والأشجان :

 

حليفُ الندى ماعاشَ يرضى به الندى

فإنْ مات لايرضى الندى بِحليف

 

فقدناكَ فقـدانَ الربيعِ وليتنـا

فدينـاكَ مِـن فتياننـا بألـوفِ

 

ومن أفرد هذه الفئة قول أحمد بن سليمان التنوخي “المعري” في لاميته الجميلة التي قالها ببغداد متشوقاً لأوطانه بالشام:

 

فيا برقُ ليسَ الكرخُ داري وإنما

رمانِي إليه الدهرُ منذُ ليالِ

 

ويقع هذا البيت في نص شعري عمد فيه المعري إلى شخصنة مطاياه في أسلوب فريد قوامه ألق الشعر وأناقة التعبير :

 

لقد زارني طَيْفُ الخَيالِ فَهاجَني

فهل زارَ هذي الإبلَ طَيْفُ خَيال

 

تَلَوْنَ زَبوراً في الحَنينِ مُنَزّلاً

عليهِنّ فيه الصّبرُ غيرُ حَلال

 

وأنشَدْنَ مِن شِعْرِ المَطايا قصِيدةً

وأَوْدَعْنَها في الشوْقِ كلَّ مّقال

 

أمِنْ قِيلِ عَوْدٍ رَازِمٍ أمْ رِوايَةٍ

أتَتْهُنّ عن عَمٍّ لهُنّ وَخال ؟

 

كما يستحسنون قول بشار بن برد العُقيلي في مطلع شعر يمدح فيه عقبة بن سلم الأزدي الدوسي :

 

حَيِيَا صاحبيَّ أمَّ العلاء

واحذرا طرفَ عينها الحوراءِ

 

وهذا البيت من قصيدة من جميل الشعر، فقد يرى القارئ الوقوف مع بعضها قليلا مرور الكرام بمدح الكرام :

 

حَرَّمَ اللَهُ أَن تَرى كَاِبنِ سَلمٍ

عُقبَةِ الخَيرِ مُطعِمِ الفُقَراءِ

 

يَسقُطُ الطَيرُ حَيثُ يَنتَثِرُ الحَبْ

بُ وَتُغشى مَنازِلُ الكُرَماءِ

 

لَيسَ يُعطيكَ لِلرَجاءِ وَلا الخَو

فِ وَلَكِن يَلَذُّ طَعمَ العَطاءِ

 

ومما كان القاضي محمذن بن محمد فال “إمييْ” ينشد ويستحسن قول الشاعر القديم، وقد أبدع في وصف السحاب والرباب :

 

كأن الرَّبابَ دُوَينَ السَّحَابِ

نَعامٌ يُعَلَّقُ بالأرجُلِ

 

وينشدون كثيراُ مطلع العلامة المؤرخ الشاعر المختار بن حامدن في رثائه للعلامة أحمد سالم بن باكَّا، في مطلع لو لم يقل غيره لكفاه :

 

يا ريعةَ النصفِ لا تأسَيْ ولا تهنِي

وغلقي البابَ دونَ الهمِّ والحزنِ

 

ومطلعَ العلامة الشاعر محمدن بن محمد بابَ في رثائه للولي الذائع الصيت المختار بن محمودن :

 

بئرَ السعادةِ قد وافاكِ مُختارُ

واللهُ للأوليا يرضَى ويختارُ

 

وبيتاً للشيخ “حمدن” ضمن رثاء شيخه العلامة محمد عالي بن محنض :

 

سيجني “الدَّاهُ” ما حملتْ يداهُ

ويرفعُهُ “البشيرُ” على عِمادِ

 

ومطلع رثائه لرمز التؤدة والخلق والصبر الجميل : المختار بن أبنو بن ألمانَه “توتاهْ” :

 

“توتاهُ” يا نهرَ حيا الرقراقِ

في ذمةِ اللهِ العظيمِ الباقي

 

ومطلعَ نص للشاعر المُجيد المختار بن مُحمَّدا، يناصر فيه اللائحة البيضاء لائحة السيد “البَنْ بن محمد صالح”، خلال الحملة الانتخابية لبلديات سنة 1986 بمدينة نواذيبو. وكنت قد حاولت العثور على هذا النص فلم أعثر منه في البداية إلا على بيت واحد إضافي شددت به أزر أخيه صونا لهما من الضياع حينها، ثم تم العثور عليه كاملاً ولله الحمد :

 

صَوِّتوا للبطاقة البيضاءِ

وانبذوا ما سواءَها بالعراءِ

 

يقدمُ القومَ من بني “الشِّيعَ” ندبٌ

حاملٌ وابنُ حاملٍ للواءِ

 

وفي مجال النظم، ينشدون كثيراً بيتاً للعلامة المُحقق محمد الحسن بن أحمدو الخديم اليعقوبي، من رجز ارتجله لما أخبره أحدهم بوفاة شيخه العلامة الورع محمد سالم بن ألما اليدالي، يشير فيه إلى تاريخ ولادته وعمره :

 

بطلعة الشيخ الزمانُ “أشرقا”

وعاش “طائعاً”، وللهِ البَـقا

 

وبيتاً من نظم المدافن للعلامة المختار بن جنكي عند كلامه على “انبيكت اجمال”، وبالتحديد على الرجل الصالح محمذن الصوفي البهناوي :

 

مُحَـمَّـذُ الصُّوفيٌّ من أبدالِ

همُ جَمالُ “رَيعة الجِمالِ”

 

وريعة الجمال تعريب “انبيكتْ اجْمالْ”، وبها أيضا ضريح الرجل الصالح الذي قطه البحر على “إِلِويشْ” في خارقة متواترة : “الصافي بن المختار بن بِلَّه بن المختار بن عثمان الأبهمي”، يقول لمرابط امحمد بن أحمد يورَ عاطفا على ذكر المختار بن جنكي لدفناء “انبيكت اجمال”:

 

وصاحبُ المَزيةِ المشهورهْ

مَنْ قطعَ البحرَ على هيْدُورهْ

 

وهْوَ الذي يدعونهُ ب”الصَّافِي”

مَنْ كانَ ذا عِلْمٍ وقلْبٍ صافِ

 

وقد أبت علي هذه التدوينة أن أنهيها إلا وقد ختمتها بمِثال لا يصدق عليه تعريف هذه الفئة إلا أنه يقترب من أفرادها، وهو بيتان شهيران جميلان استهل بهما المختارُ بن حامدن “التاه” مرثيته للرجل الصالح الجواد : محمد صالح بن الشيخ أحمد بن الفالي”النَّنَّ علماً”:

 

ستبكيكَ يا هذا الحبيبُ المُبارحُ

وأنت إلى بئر السعادة رائحُ

 

عشائرُ فيها كانَ فعلُكَ صالحاً

كما اسمُكَ فيها يا محمدُ صالحً

 

تم حديث هذه الجمعة بحمد الواحد الأحد الصمدْ والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمدْ.

 

جمعتكم مباركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى