من الملاحظ أن الشباب شريحة عريضة جدا في العالم الثالث والدول النامية إلى درجة يمكن القول معها إن مجتمعات تلك الدول وذلك العالم مجتمعات شابة بالأساس، وبالتالي فلا غرو إذا كان هو القوة الحية المستفيدة الأولى من التغيير والقادرة على إحداثه
وفي السنوات الأخيرة لعب الشباب دورا طلائعيا في تغيير أنظمة الحكم في المنطقة العربية فيما عرف حينها بالربيع العربي، وفي قارتنا السمراء لعب الدور ذاته بعد ذلك وحقق نفس الهدف ولكن بوسيلة مختلفة
يهمني في هذه السطور أن ألقي بعض الضوء على تدخلات الشباب تلك، ولماذا حالفها التوفيق في حالات وجانبها في حالات أخرى؟ وهل للتغيير عدوى؟ وكيف؟
لعلي سأبدأ أولا بمعاينة ما حدث في البلدان العربية والذي عرف بالربيع العربي؛ الواقع – كما هو معروف – أن هذا “الربيع” نجح في إسقاط أنظمة استبدادية قوية ما كان لها أن تسقط إلا بشبه معجزة، ولكنه فشل في إحلال البديل؛ لأسباب منها:
1 – أن هذا التغيير الناجم عن الربيع العربي لم يكن أصيلا؛ بمعنى أنه لم تمله دوافع وطنية خالصة، وإنما كان – في نظري – صنيعة أجنبية/ استخباراتية هدفها تغيير الخارطة السياسية للعالم العربي الذي كان لدى بعض حكامه (القذافي مثلا) على دكتاتوريته واستبداده وتسلطه بقية من ضمير لم يعد الغرب يتحملها لليبيا ولا للمنطقة، وقد يساورني الظن هنا بأن الربيع العربي بدأ التخطيط له في الدوائر الغربية الضيقة بعد إعدام الزعيم صدام حسين رحمه الله كبديل عن الأسلوب الهمجي الصراح الذي تم به إسقاط نظامه واغتياله رحمه الله…
2 – أن الربيع العربي كان غوغائيا لا يفكر إلا في الخراب والعدمية، ولم تكن له جهة قيادية تمسك ببوصلته وتتحكم في اتجاهه اللهم إلا “الدوائر الغربية الضيقة” التي نفذت أجندتها من خلاله ولا تريد غير ذلك في بعض البلدان على الأقل
3 – أن بعض دول الربيع العربي لم تكن دولة مؤسسات، وإنما كان نظامها وأجهزتها يتمركزان حول شخصية الزعيم فمتى ما سقط الزعيم سقط معه النظام وسقطت أجهزة الدولة تبعا لذلك
4 – أن الثورات الشعبية كالبراكين لها – دائما – هزات ارتدادية، ومن الصعب رجوع الأمن والسكينة بعدها بيسر وسهولة، والتاريخ خير شاهد على ذلك؛ في فرنسا مثلا قامت ثلاث جمهوريات والثالثة منها هي التي كتب لها البقاء
5 – أن الذين صعدوا على المسرح السياسي في بلدان الربيع العربي بعد سقوط أنظمتها لم يكونوا بتلك البراعة والكفاءة والكاريزمية التي تمكن من السيطرة على أوضاع ملتهبة كأوضاع البلدان محل الحديث؛ وأخونا مرسي رحمه الله مثال على ذلك
أما في قارتنا السمراء فقد عرفت في الفترة الأخيرة انقلابات عسكرية في بعض البلدان نفذها شباب، وعلينا هنا أن نبادر إلى القول إن الانقلابات العسكرية غير مرغوب فيها ولا تنتج – في الغالب – إلا مزيدا من الاضطرابات والقلاقل وعدم الاستقرار السياسي؛ حيث تفتح شهية العسكر للسلطة، وكل الناس طامعون في الحكم – بطبيعة الحال – متى رأوا له حيلة
ما حدث أخيرا في بعض البلدان الإفريقية (كمالي والنيجر وبوركينا فاسو مثلا) قد يكون له ما يبرره؛ حيث كانت المنطقة شبه مختطفة من قبل فرنسا؛ فهي التي كانت تنصب حكامها وتعزلهم متى شاءت من خلال اختيار وجوه جديدة أكثر خدمة لمصلحتها، وأكثر ضمانا لديمومة نفوذها في المنطقة، ومن هنا جاء هؤلاء العسكر الشباب كمحررين جدد؛ منطلقين من تراثهم المحلي ومستلهمين رموزهم الوطنية، فكان التفاف الشعب حولهم؛ ناظرا إليهم كمخلصين وكقادة يمتلكون المفتاح السحري لحياة كريمة وعيش أفضل
ورغم مبررات هؤلاء الوجيهة في نظر شعبهم وفي نظري أيضا، فإن قناعتي الشخصية أن تدخّل العسكر في السياسة لا يؤدي إلا إلى تكالبهم جميعا على السلطة وصراعهم الخشن الذي لا ينتهي عليها، ومن ثم مزيد من إراقة الدماء، والفلتان الأمني، وعدم الاستقرار السياسي؛ مما يعني أن الوسيلة الآمنة لتداول السلطة والتي تتناسب مع ذوق العصر هي صناديق الاقتراع، وما غيرها فليس بمأمون العواقب وما أظنه يخدم أي بلد مع العلم أن لكل بلد خصوصيته التي تجعله ينسجم مع نظام ولا ينسجم مع آخر
ومن هنا تأتي أهمية ما حدث أخيرا في السنغال جارتنا الجنوبية التي تربطنا بها الكثير من الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، ونحن نتطلع إلى أن تتطور العلاقة بيننا إلى مزيد من الدفء؛ بما يخدم شعبينا الشقيقين، ويعزز الأمن والسلم في المنطقة
جارتنا السنغال تمثل نموذجا رائعا في غرب إفريقيا إن لم تكن في إفريقيا جمعاء من حيث التداول السلمي على السلطة وتكريس دولة المؤسسات، والانتقال الذي حدث فيها مؤخرا يمثل تراكما من الوزن الثقيل في ذلك المجال، وما أظنه إلا بشارة خير لدول الجوار فهناك الكثير من النقاط المشتركة
على الشباب الحالمين بالتغيير في كل مكان أن يراهنوا على صناديق الاقتراع؛ باعتبارها الأسلوب الأكثر تمدنا والأكثر أمانا والأضمن للسكينة والاستتباب، ومن ثم فهو رسول البناء والتنمية وتعميم الرفاه والرخاء على مختلف ربوع الأوطان
3 دقائق