مساء الجمعة الماضي، كانت قاعة للحفلات بمركز كروكوس للتسوق شمال غربي العاصمة الروسية موسكو تعج بمئات المرتادين الذين كانوا يأخذون مقاعدهم لحضور حفل موسيقي، دخل 4 رجال يرتدون زيا عسكريا إلى القاعة وفتحوا النار على من بداخلها، فقتلوا 143 شخصا وأصابوا نحو 152، وفق لجنة التحقيقات الروسية.
بعد ساعات من الهجوم الدموي، أعلنت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي -تقدم نفسها على أنها تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية– مسؤولية التنظيم عن الهجوم، في حين نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أميركي قوله إن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تؤكد مسؤولية التنظيم عن الهجوم.
فماذا نعرف عن تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد خراسان؟ وما أبرز الهجمات التي شنها خلال السنوات الأخيرة؟ وهل يقف حقا وراء الهجوم الأخير في موسكو؟
البدايات
ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان شرقي أفغانستان أواخر 2014، وسرعان ما ذاع صيته بسبب وحشيته، واستمد اسم خراسان من كلمة قديمة أطلقت على منطقة شملت أجزاء من إيران وتركمانستان وأفغانستان.
وهو أحد أكثر التنظيمات الإقليمية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية نشاطا، وشهد عدد أعضائه انخفاضا منذ تسجيله أعلى مستوياته في 2018 تقريبا. وألحقت حركة طالبان والقوات الأميركية خسائر فادحة بالتنظيم.
وقالت الولايات المتحدة إن قدرتها على زيادة النشاط الاستخباراتي ضد الجماعات المسلحة في أفغانستان، مثل الدولة الإسلامية-ولاية خراسان، تراجعت منذ انسحاب القوات الأميركية من البلاد عام 2021.
من يتزعم تنظيم خراسان؟
يشير تقرير نشرته وكالة رويترز -أمس الاثنين- إلى أن زعيم التنظيم شاب يدعى ثناء الله غفاري (29 عاما)، وقد عُين أميرا لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان عام 2020.
ووفق مصادر من طالبان، فإن غفاري هو أفغاني طاجيكي كان جنديا في الجيش الأفغاني قبل أن ينضم إلى صفوف التنظيم، وقد اشتهر اسمه في غضون عام بعد الهجوم الذي هز مطار كابل عام 2021، وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان حينها، وقد أعلنت واشنطن حينها عن مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه.
ويلف الغموض مصير غفاري ومكان إقامته، فقد نقلت رويترز عن مصدرين من طالبان الأفغانية والباكستانية -لم تسمهما- قولهما إن تقارير أولية أفادت بمقتل غفاري في أفغانستان في يونيو/حزيران الماضي، لكن تقريرا للوكالة أكد أنه لم يُقتل، بل فرّ عبر الحدود إلى باكستان بعد إصابته بجروح.
ويشير تقرير رويترز إلى أن الاعتقاد السائد هو أن غفاري يعيش في إقليم بلوشستان الحدودي الذي لا يخضع لحكم القانون، وفق رويترز.
أبرز هجماته
عند تتبع الهجمات التي أعلنتها منصات التواصل الاجتماعي تقدم نفسها على أنها تابعة للتنظيم، وكثيرا ما تنشر البيانات المنسوبة إليه والتي يتبنى فيها عمليات مختلفة، يمكن القول إن التنظيم شن هجمات داخل أفغانستان وخارجها، بعضها استهدف مساجد.
وفي وقت سابق من العام الجاري، قالت الولايات المتحدة إنها اعترضت اتصالات تؤكد أن التنظيم نفذ تفجيرين في إيران أسفرا عن مقتل قرابة 100 شخص.
وجرى التفجير الانتحاري المزدوج في إيران خلال تأبين قائد الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني بالقرب من قبره، ويعد الهجوم الأكثر دموية في إيران منذ عام 1979.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، أعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير انتحاري تسبب في سقوط قتلى بالسفارة الروسية في كابل.
كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم على مطار كابل الدولي عام 2021 أدى إلى مقتل 13 جنديا أميركيا وعشرات المدنيين خلال عملية الإجلاء الأميركية الفوضوية من أفغانستان.
“واشنطن تستخدم التنظيم فزاعة”
لكن اللافت في هجوم موسكو الأخير الذي نسب إلى التنظيم هو أن روسيا شككت في تأكيدات الولايات المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية بولاية خراسان هو المسؤول عنه.
وشككت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تأكيدات الولايات المتحدة، وقالت في مقال لصحيفة كومسومولسكايا برافدا “سؤال للبيت الأبيض: هل أنت متأكدة أنه تنظيم الدولة الإسلامية؟ هل يمكنك التفكير في الأمر مرة أخرى؟”.
وقالت المسؤولة الروسية إن الولايات المتحدة تستخدم “فزاعة” تنظيم الدولة لتغطي على أفعالها في كييف، وذكّرت القراء بأن واشنطن دعمت “المجاهدين” الذين خاضوا قتالا ضد القوات السوفياتية في الثمانينيات.
وقد أعلنت موسكو أنها ألقت القبض على 11 شخصا، من بينهم المسلحون الأربعة الذين أطلقوا النار على الحشود التي كانت في قاعة الحفلات الموسيقية ولاذوا بالفرار بعد ذلك.
وبثت وسائل إعلام روسية مقاطع فيديو لأحد المسلحين الذين نفذوا الهجوم، إذ يعترف بعد القبض عليه أنه ورفاقه عُرض على كل واحد منهم مبلغ قدره نصف مليون روبل (نحو 5 آلاف دولار) لتنفيذ الهجوم الدامي.
وقال إن من عرضوا عليهم العمل تواصلوا معهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وإنهم تلقوا منهم الأسلحة والملابس العسكرية التي استخدموها خلال الهجوم.
وأعلنت السلطات الروسية أن بعض المهاجمين قُبض عليهم وهم في طريقهم إلى منطقة بريانسك على بعد نحو 340 كيلومترا جنوب غربي موسكو للتسلل عبر الحدود إلى أوكرانيا.