بعد عقود من انتاج الحبوب.. “الششية” تجود بـ “الأرز” / مختار أحمدو

مزرعة “الششية” سلة غذاء ولاية اترارزة لسنوات من الحبوب “الزرع”.. عرفت بإنتاجها الغزير من هذه المادة التي تسمى محليا بـ “بشنه” المستعملة على نطاق واسع في الوجبات الغذائية، والتي تستخدم أيضا لعلاج بعض الأمراض.

تقع “الششية” بجوار قرية جكينه “35 كلم شمال شرق روصو”، والتابعة لمركز جدر المحكن الإداري، تميزت بخصوبة الأرض، وظلت قبلة للمئات من سكان اترارزة، الذين كانوا يحجون إليها في موسم الحصاد بحثا عن الحبوب.

ذكرها الذاكرون وتغنوا بها لعدة سنوات، بل عرفت المنطقة بتلك المزرعة المعطاء التي ظلت لعقود موئلا لسكان المنطقة.

تاريخ له جذور..

يقول “بلال ولد امبيريك”، وهو ثمانيني يقطن في جكينه، إن سكان المنطقة بدؤوا في استغلال هذه المزرعة منذ منتصف القرن العشرين، وظلت تنتج كميات كبيرة من “الزرع” خلال موسم الحصاد.

ويؤكد أنهم كانوا يزرعون الأرض بعد تراجع فيضان مياه النهر والأمطار الذي غالبا ما يحدث كل عام.

“بعد الانتهاء من غرس المزرعة بمساعدة الأطفال والنساء بوسائل بدائية جدا، يتم السهر على حمايتها من الحيوانات، وفي مرحلة متقدمة يدخلون حربا مع الطير”.

ويضيف “حين نصل مرحلة الحصاد، نستعد من خلال جمع الحاويات، وبالتعاون مع مجموعة من المزارعين (اتويزه) نقوم بالحصاد يدويا، وتحضيره في عملية طويلة”، مشيرا إلى أن المنطقة تتحول إلى قبلة لمئات المواطنين القادمين من شتى بقاع الوطن للحصول على ما يجودون به.

ويؤكد أن “العام 1991 شكل تحولا في حياة سكان المنطقة، فحين تراجع فيضان النهر وبدأنا الزراعة ظهرت الكثير من الآفات التي قضت على النبتة في بداياتها، كما زاد الطين بلة بارتفاع نسبة الملوحة في الأرض الذي أفسد علينا كل شيء”.

ويرجع عدد من الخبراء في قطاع الزراعة هذه الوضعية التي عانت منها المزرعة عام 1991 إلى تداعيات وتأثيرات “سد جاما”، الذي اكتملت الأشغال فيه سنة 1986، وهو سد على نهر السنغال يقع بجوار مدينة “دياما” بالسنغال على حدودها مع موريتانيا، والغرض منه هو منع تسرب المياه المالحة إلى النهر.

كان موسم 1990 هو آخر موسم تنتج فيه “الششية” الحبوب، فقد توقف كل ذلك مع ما يعنيه من تراجع كبير في منتوج البلاد، وتأثير اقتصادي على حياة سكان المنطقة.

واجتاحت المزرعة نبتة “التيفا” التي تطرح الكثير من الإشكالات البيئية، بعد ارتفاع منسوب المياه، ليصبح استغلال الأهالي للمزرعة ضمن سابع المستحيلات.

“الششية” تنتج الأرز..

غداة وصول رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم بدأ التفكير في استغلال هذه المساحات لتساهم في الاكتفاء الذاتي من الأرز.

وقد قام يوم الاثنين 27 يناير 2020، بزيارة لقرية “جكينه”، هي أول زيارة يقوم بها رئيس موريتاني للمنطقة منذ الاستقلال، حيث تم خلالها وضع حجر الأساس لاستصلاح المشروع بتمويل من البنك الدولي، فيما أشرفت عليه منظمة استثمار نهر السنغال، وتولت متابعة تنفيذ العمل شركة (صونادير)، ووصلت كلفته المالية 13 مليارا و700 مليون أوقية قديمة.

ويتكون المشروع من قناة لتغذية الروافد بطول 1.08 كلم انطلاقا من “سكام”، فضلا عن محطة للضخ تضم أربع مولدات للري بطاقة 400 لتر للثانية، وتزويد المحطة من الخط الكهربائي لمننتالي، ومن قنوات رئيسية وثانوية وفروع بطول 37367 متر طولي، و262 مفرجة وشبكة للتصريف بطول 31165 متر طولي، وحاجز للحماية في الناحية الغربية من المزرعة بطول 3000 متر، وشبكة ممرات بطول 67788 متر.

وتصل المساحة الإجمالية للمزرعة 525 هكتار، يتم استغلال 374 منها، ضمنها 193,26 هكتار يتم ريّها انسيابيا أي 25٪، وتبلغ المردودية المنتظرة ستة أطنان للهكتار الواحد.

حملات زراعية بعد التدشين..

في يوم 05 يوليو 2021 أشرف رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في زيارة هي الثانية له إلى المنطقة على تدشين مشروع “الششية”، معلنا منها إطلاق الحملة الزراعية الخريفية 2020-2021، لتكون بذلك البداية الفعلية لاستغلال المشروع في “نسخته الجديدة”، والتي ركزت على زراعة الأرز والخضروات.

ويقول رئيس وحدة تسيير المشروع إبراهيم فال ولد أسويدين في تصريح لـ “وكالة أنباء لكوارب”، إن المشروع يعتبر من أكثر “الاستصلاحات الزراعية التي نفذتها الحكومة نجاحا وتميزا، معتبرا أنه ساهم في نهضة زراعية غير مسبوقة بالمنطقة”.

وقال إن المشروع يعتبر أمنية لدى السكان منذ زمن بعيد وهم الذين كانوا ينظرون إلى هذه الأرض دون أن يتمكنوا من استغلالها نظرا للفقر وانعدام الامكانيات.

وحسب الأرقام المتوفرة لديه فإن عدد المستفيدين من المشروع بلغ 602 أسرة، في قرية “جكينه” وحدها، بينما استفادت 150 أسرة من القرى المجاورة، وحصلت فئة المعوقين على 3.5 هكتار، والنساء الأرامل على 5 هكتارات.

ويضيف “الدليل على نجاح المشروع هو أننا شاركنا في كل الحملات الزراعية التي نظمت منذ تدشينه”، مؤكدا أن الحملة الزراعية الخريفية التي انطلقت قبل حوالي أسبوعين تميزت بزراعة 12 هكتارا من الخضروات.

ويسجل “انعكاسا اقتصاديا مشجعا”، مشيرا إلى أن السلطات لاحظت ذلك، وأن المشروع أصبح قبلة لعدد من المؤسسات الدولية التي تعتبر التجربة مثالا يحتذى.

مشروع نموذجي..

ويقول المدير الجهوي للشركة الوطنية للتنمية الريفية “صونادير” في اترارزة محمد ولد ابريكة، إن مشروع “الششية” يعتبر نموذجيا لم تتوقف فيه أي حملة زراعية منذ تدشينه من طرف رئيس الجمهورية.

وأعتبر في تصريح لـ “وكالة أنباء لكوارب” أنه مهم للغاية، استفادت منه قرى: “الصطارة” و”انيكات” و”جدر المحكن” و”اصويله” و”فاص وولف” و”فاص مور” و”اطلابين” و”جكين بل” و”جكين مور” و”طمباص1″ و”طمباص2″، و”لورين”، إضافة إلى استفادة فئات ضعيفة من مقاطعة روصو كالأرامل والمعوزين.

وأكد أن المزارعين في “الششية” يتميزون بالاعتماد على تمويل ذاتي، ولم يسبق أن أخذوا ديون “القرض الزراعي” التي تطرح الكثير من الإشكاليات لدى المزارعين.

وأشار إلى أن الحكومة قامت بتشجيعه، حيث أصبح أول مشروع جماعي يعتمد كليا على الكهرباء في الري، والذي لا يكلف أكثر من 12 ألف أوقية قديمة للهكتار طيلة الحملة، كما ساهم ذلك في تقريب الخدمة من القرى المجاورة له، والتي يمكنها الاستفادة من الكهرباء.

وقامت الشركة – حسب ذات المتحدث – ببناء طريق معبد لفك العزلة عن المشروع، متعهدا بالعمل على صيانتها وتعزيزها.

وأشار إلى أن مردودية أول حملة زراعية كانت كبيرة، وتراوحت ما بين 8 إلى 10 أطنان للهكتار، بمتوسط 7 أطنان، موضحا أن الحملات المتوالية كانت جيدة، باستثناء الحملة الخريفية الأخيرة التي كان متوسطها 3 أطنان للهكتار بسبب الطيور.

وأعتبر أن المشروع قام بتكثيف زراعي حقيقي خلال جميع الحملات، “ولذا فهو يحترم المسطرة الزراعية والتكثيف الزراعي، وهذا ما يساهم في مردودية كبيرة”، مؤكدا أنه أمر نادر جدا.

وقال إن التسيير يشرف عليه مكتب منتخب، وأن الشركة تقوم بمواكبته ولا تتدخل إلا في حالة الاستصلاحات التي ليس بمقدور المكتب القيام بها، معتبرا أن ظروف المستفيدين تحسنت بشكل كبير.