عند الساعة الواحدة من فجر اليوم السبت ومن دون سابق إنذار، دوت انفجارات عنيفة في قاعدة كالسو العراقية، مما أدى لسقوط قتيل و8 جرحى على الأقل.
تقع قاعدة كالسو بالقرب من الطريق الدولي في محافظة بابل جنوب العاصمة بغداد، وتشغلها حاليا قوات من هيئة الحشد الشعبي ومن الجيش العراقي.
وهذه القاعدة أقامها الأميركيون بعد غزوهم للعراق عام 2003. وفي تلك الحقبة كانت بابل إحدى الجبهات الساخنة ضد احتلال رعاة البقر للقلاع العريقة والحدائق المعلقة.
ومن هذه المنطقة أيضا، كانت فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران تستهدف الوجود الأميركي في العراق في الأشهر القليلة الماضية، ومنها أيضا أطلقت فصائل المقاومة الإسلامية طائرات مسيرة على مدينة إيلات الإسرائيلية تضامنا مع قطاع غزة حيث تطحن آلة الاحتلال النساء والأطفال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
هذا عن دلالة المكان. وأما عن الزمان، فإن انفجار قاعدة كالسو يتزامن مع “هجمات إسرائيلية” استهدفت موقعا حساسا في مدينة أصفهان الإيرانية، ردا على عملية الوعد الصادق التي شنتها طهران مؤخرا انتقاما لمقتل ضباطها في قصف إسرائيل لقنصليتها في دمشق.
تفاصيل الضربة
ووفق مسؤول في وزارة الداخلية العراقية -طلب عدم كشف هويته- فإن الضربة استهدفت “مقرّ الدروع التابعة للحشد الشعبي، وطال الانفجار العتاد والأسلحة من السلاح الثقيل والمدرّعات”.
وتحدث بيان للجيش العراقي عن حصول “انفجار وحريق داخل معسكر كالسو شمالي محافظة بابل على الخط الدولي، الذي يضم مقرات لقطعات الجيش والشرطة وهيئة الحشد الشعبي، مما أدى إلى استشهاد أحد منتسبي هيئة الحشد الشعبي وإصابة 8 آخرين، من بينهم منتسب من الجيش العراقي بجروح متوسطة وطفيفة”.
وقد وصل إلى قاعدة كالسو اليوم رئيس أركان الحشد الشعبي أبو فدك المحمداوي حيث “تفقد مكان الانفجار، واطمأن على سلامة المقاتلين الموجودين هناك، كما اطلع على تفاصيل اللجان التحقيقية الموجودة في المكان الذي تم الاعتداء عليه”.
وعلى الفور، توعد الأمين العام للمقاومة الإسلامية أبو آلاء الولائي بالرد “على من يقف خلف هذا الاعتداء الآثم على موقع الحشد الشعبي كائنا من يكون”.
وأضاف في بيان على حسابه على منصة إكس “من يثبت تورطه بهذه الجريمة النكراء بعد إكمال التحقيقات اللازمة فسيدفع الثمن”.
نفي وغموض وتحقيق
لكن الجيش الأميركي نفى مسؤوليته عن العملية، وقال في بيان “نحن على علم بالتقارير التي تزعم أن الولايات المتحدة شنت غارات جوية في العراق اليوم، هذه التقارير غير صحيحة، لم تقم الولايات المتحدة بشن غارات جوية في العراق اليوم”.
وكذلك، نأت إسرائيل بنفسها عن الحادث، وقال جيشها إنه “لا يُعلّق على معلومات ترد في وسائل الإعلام الأجنبية”.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية أنه “مع تباين الروايات بعد عدة ساعات من المأساة، لا يزال الغموض يخيم على الظروف الدقيقة لهذا الحادث الأمني في قاعدة كالسو، التي تؤوي قوات الجيش والشرطة وعناصر الحشد الشعبي الحليف لإيران، الذين تم دمجهم الآن في القوات العراقية النظامية”.
ومما يزيد الموقف غموضا أن مركز قيادة الدفاع الجوي العراقي أكد أنه لم يرصد أي مسيرات أو مقاتلات في المجال الجوي لمحافظة بابل قبل أو أثناء الانفجار.
وفي بيان آخر، ذكرت خلية الإعلام الأمني العراقي أنه تم تشكيل لجنة فنية مختصة للتحقيق في أسباب الانفجار والحرائق في موقع الحادث.
فمن ضرب قاعدة كالسو العراقية إذن؟
في إجابته عن هذا السؤال، يستحضر الخبير العسكري العراقي مهند العزاوي أن الضربة جاءت في ظل تعقيدات وتوتر كبير بين إيران وإسرائيل ومحاولة الولايات المتحدة لجم سلوك الطرفين.
ورغم تأكيده غموض الموقف، يقول العزاوي في حديث للجزيرة نت إنه “يمكن كشف الجهة التي قامت بالضربة من خلال تحليل مخلفات السلاح الذي استهدف القاعدة”.
بيد أن الخبير العسكري لا يحبذ التسرع في الجزم بوقوف إسرائيل خلف العملية نظرا لانشغالها حاليا في “عمليات عسكرية معقدة في الضفة الغربية وطولكرم وغزة، ومع حزب الله” اللبناني.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة نأت بنفسها عن العملية حرصا منها على عدم كسر الهدنة مع الفصائل المسلحة في العراق التي توقفت مؤخرا عن استهداف الوجود الأميركي في البلاد.
لكن الخبير العسكري العراقي لا يستبعد وجود “صفقة برعاية أميركية لاستبدال الرد الإسرائيلي على إيران بضرب الوكلاء وعدم تصعيد الموقف إلى اشتباك مباشر بينهما”.
وعلى خلاف الحذر الذي طبع إجابة العزاوي، فإن العديد من المحللين في العراق أشاروا بأصابع الاتهام إلى إسرائيل في إطار ردها على الهجوم الإيراني في 13 من أبريل/نيسان الجاري.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي نشرت حسابات لقطات تظهر دمارا كبيرا في مكان الحادث، وهو ما استند إليه نشطاء ومحللون في تأكيد حصول ضربة عسكرية قوية.
ومن حسابه على منصة إكس يقول الدكتور أيسر بني ضمرة إن الجيش الأميركي يسيطر على أجواء العراق منذ سقوط بغداد عام 2003 ولديه كل الأجهزة التي تمكنه من معرفة أي جسم يدخل في سماء البلاد وتحديد مصدره، مما يعني في نظره أن واشنطن تعرف الجهة التي ضربت قاعدة كالسو.
أما الشيخ الدكتور موسى الخلف، فيلقي باللوم على أميركا، قائلا إن “ضربات المقاومة العراقية أوجعتهم فاستهدفوا الحشد والقوات الأمنية”.
وعلى منصات عراقية، ظهر رجل يرتدي زيا عسكريا من داخل مستشفى قائلا إنه أحد المصابين في العملية، ويؤكد أن الضربة تمت بطائرة مسيرة، وأن أضرارا لحقت بالأبنية المجاورة للقاعدة العسكرية.
أما ناصر الناصر، فيجزم بأنه “عدوان صاروخي صهيوأميركي على قاعدة كالسو التي تضم قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي في بابل”.
واستدل آخرون على تورط أميركا وإسرائيل في الهجوم بحجم الدمار الذي لحق بالمكان، مما يوحي بأن الضربة نفذتها مقاتلة من طراز “إف 35″، وفق تقديرهم.
وقد نقلت وكالة تسنيم الإيرانية أن ائتلاف دولة القانون في العراق بقيادة نوري المالكي يحمل “إسرائيل” وأذرعها المسؤولية عن استهداف الحشد الشعبي.