يشهد العالم خلال السنوات الأخيرة أسوأ كارثة غذائية منذ عقود طويلة , فالمصادر الأساسية لتزويد العالم بالغذاء تواجه حروبا و موجات جفاف حادة تجعلها بالكاد قادرة علي تزويد بلدان الإنتاج بما تحتاجه , في وقت تتضاعف فيه حاجة العالم للغذاء في ظل تزايد الطلب العالمي ،وتترنح الحركة الاقتصادية العالمية في الصميم ويتراجع الانتاج الزراعي العالمي بشكل مخيف مما جعل دول عديدة ترصد احتياطات نقدية هائلة لتأمين احتياجاتها خلال مراحل الأزمات وما بعدها لتصبح البلدان الضعيفة وحدها عرضة للتأثر البالغ بالكارثة.
وفي بلدنا الذي تتوالي عليه ضربات الجفاف وسوء التسيير وهو المعتمد بشكل أساسي على القطاع التقليدي ولا يملك في مخازنه أي احتياطات إستراتيجية من المواد الغذائية الأساسية ، ولا تسعفه إمكاناته المالية كثيرا يصل الخوف من الكارثة حد الهلع.
فالدولة الموريتانية لم تؤمن في أي وقت من الأوقات حاجتها من الغذاء لأكثر من ثلاثة أسابيع ، وقد وقفت خلال سنوات القحط عاجزة تنتظر فرج الله ، وانتهاء كابوس المجاعة بحلول فصل الخريف.
واليوم وقد لاحت تباشير موسم الخريف في مناطق من البلاد فان الناس مدعوون لعمل جاد يجعلهم يتجاوزون فترات قد تكون بالغة الصعوبة قبل فوات الأوان ، وأن يتذكروا سنوات عجاف خلت كان لهم أن يعبروها بسهولة وأمان لو توجهوا للأرض وأخذوا من غلتها ما يسدون به حاجتهم.
ليس هناك من طريق آخر يمكن أن يجنبنا الكارثة غير العودة إلي الأرض، واستلطاف العمل فهناك مساحات زراعية شاسعة وإمكانات مائية مهدورة وقد تعددت برامج الدعم والتوعية والإرشاد الزراعي وتنوع الفاعلون الدوليون والمحليون المهتمون بالأزمة الغذائية ،وهي قضية تشكل اليوم هاجسا يؤرق الرأي العام والمواطنين البسطاء.
في ولاية لعصابة مثلا تبقي عشرات السدود والمحميات الصالحة للزراعة وأماكن كثيرة أخري تتوسط المدن والقرى مهملة ،خالية من أي نشاط وقد زال الكثير من مبررات عدم استغلالها ،حيث يتوفر السياج والماء .
لماذا لا تصبح الزراعة محل اهتمامنا جميعا ومركز نشاطنا ونقاشنا اليومي ؟
لماذا لا يتذكر الناس أنهم وقفوا جميعا قبل أسابيع قليلة في طوابير مهينة يتوسلون غذائهم أمام المقار الحكومية والهيآت الخيرية ؟
لماذا لا يزرع الناس ما ياكلون تجنبا للكارثة وحفظا لماء الوجه؟ أين المفر فجميع المؤشرات في ظل الأزمات العالمية تقود إلى أن أكبر الدول انتاجا للغذاء قد تمسكه لحاجة مواطنيها إليه.!