(الوئام الوطني – افتتاحية)/ بعد مأموريته الأولى التي كادت أن تخصص للشق الاجتماعي، رغم الانجازات العديدة في مختلف المجالات، واستئثار حالات الطوارئ الصحية والأزمات الدولية العابرة للحدود بجزء غير يسير من اهتماماته، يسعى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، خلال مأموريته الجارية لولوج باب طالما تم طرقه من قبل الأنظمة المتعاقبة التي عجزت عن فتحه، رغم البداية بظاهره الانتخابي دون أن تسبر أغواره الاقتصادية التي تمس حياة الناس والبنى التحتية في أماكنهم الأصلية.
إنه باب اللامركزية التنموية والحضارية، الذي خلف تأخر ولوجه عاصمة تعج بأكثر من ثلث ساكنة البلد، حيث تعجز إمكانيات الدولة عن الوفاء بمتطلباتها التنموية والخدمية والتحديثية، بسبب الإقبال السكاني اللا محدود والتمدد العمراني اللا متناهي، طلبا للقرب من الإدارة بكل تخصصاتها، والتي تكدست في حيز جغرافي محدود وسط العاصمة.
لقد انتبه الرئيس الغزواني إلى أن تخفيف الضغط السكاني على العاصمة نواكشوط سيتيح الفرصة لعصرنتها كواجهة للبلد ووجهة لكبار الضيوف عبر العالم، كما أنه سيوفر فرصا عديدة لتوصيل خدمات الدولة لكل أرجائها، خاصة وأن البلد يمكن تقسيمه إلى أقطاب لكل منها خصوصيته التنموية التي يمكنه الاستفادة منها بدعم من الدولة تمويلا وتأطيرا وعصرنة وتوفيرا لفرص العمل.
كانت البداية بتخصيص الحكومة مبلغ مليار و 682 مليون أوقية جديدة، لمكونة الطرق الحضرية وفك العزلة، وتحسين انسيابية المرور في العاصمة نواكشوط، وذلك في إطار “المشروع الاستعجالي المندمج لتنمية مدينة نواكشوط”، الذي خصصت له الحكومة 5,1 مليار أوقية جديدة، وقد انطلق المشروع الذي يشمل 8 مكونات، في النصف الثاني من شهر دجنبر الماضي وتقدر مدة تنفيذه ب 16 شهرا ابتداء من تاريخ الانطلاقة الفعلية.
وتشمل هذه المكونات الثمانية: مكونة الصحة، التي خصص لها غلاف مالي يبلغ 941 مليون أوقية جديدة، “تهدف إلى تحسين ظروف النفاذ إلى خدمات صحية جيدة، وقريبة من المواطنين في مختلف بلديات نواكشوط”، وتشمل هذه المكونة “بناء 14 مركزا صحيا وإعادة تأهيل 9 مراكز صحية، وتحويل 9 نقاط صحية إلى مراكز صحية”.
بالإضافة إلى مكونة التربية التي يبلغ غلافها المالي 866 مليون أوقية جديدة، تتضمن “بناء 11 مدرسة أساسية جديدة و19 مؤسسة ثانوية مكتملة، وإعادة تأهيل أو توسعة 190 مدرسة أساسية و21 مؤسسة ثانوية قائمة، وبناء أقسام نموذجية للتعليم ما قبل المدرسي في بعض المدارس الأساسية”. وفق الوكالة الموريتانية للأنباء.
ويشكل البرنامج كذلك مكونة للنفاذ إلى الماء الصالح للشرب وخدمة الصرف الصحي يبلغ غلافها 764 مليون أوقية جديدة، وتضم مكونتين فرعيتين، أولاهما خاصة بماء الشرب، وتهدف إلى تحسين وضعية التزويد بمياه الشرب في مختلف البلديات عبر إعادة تأهيل وتشغيل خزانات المياه ومحطات الضخ الموجودة ومد شبكة أنابيب جديدة، كما تتعلق بتعزيز محطة المركب الجامعي وتعزيز محطة عين الطلح وإعادة تأهيل محطة توجنين وشق أنابيب جديدة لربط المحطات من أجل تحسين توزيع كمية المياه المتوفرة وتزويدالأحياء التي تعاني من شح المياه.
ويبلغ الغلاف المالي لمكونة النفاذ إلى الكهرباء والإنارة العمومية 526 مليون أوقية جديدة، تهدف إلى تحسين النفاذ إلى الكهرباء في مختلف البلديات من خلال الأنشطة التالية: مد 150 كلم من الخطوط الكهربائية ذات الجهد المنخفض، واستبدال 40 كلم من الخطوط الكهربائية التالفة في الشبكة الحالية، وتركيب ستة خطوط انطلاق جديدة، واقتناء أربع نقاط توزيع متنقلة بقوة 15KV et 33Kv /0.4kv وتركيب 36 مركز تحويل كهرباء.
وخصص لمكونة الشباب والرياضة غلاف مالي يبلغ 210 ملايين أوقية جديدة، تهدف إلى زيادة العرض من البنية التحتية الرياضية وتعزيز نماء الشباب عبر تشييد بنى تحتية رياضية جديدة، وتشمل بناء وتجهيز ملعب الميناء بمنصات متحركة وقابلة للتوسيع، وإعادة تأهيل وتجهيز ملعب السبخة بمنصات متحركة وقابلة للتوسيع، وبناء مسبح شبه أولمبي من ألف مقعد، و بناء قاعة متعددة الوظائف من 400 مقعد.
ويتضمن البرنامج كذلك مكونة البيئة والتنمية المستدامة بمبلغ قدره 158 مليون أوقية جديدة، وتهدف الإجراءات المقررة في هذه المكونة إلى جعل مدينة نواكشوط أكثر جاذبية من خلال تحويل البرك المائية الراكدة إلى بحيرات بيئية، وإنشاء مساحات خضراء جديدة، وتشييد نصب تذكاري مميز في موقع استراتيجي.
ومن ضمن مكونات البرنامج الاستعجالي كذلك، مكونة الالتزام الجماعي وتحويل بلديات نواكشوط إلى مساحات حية، وديناميكية، ونظيفة وملهمة من خلال تنفيذ مجموعة من الأحداث الترفيهية منظمة بشكل مشترك بين جهة نواكشوط، والبلديات، ومتطوعي الخدمة المدنية والمجتمع المدني، وستشمل هذه الخطة بشكل خاص الأنشطة الثقافية والمسابقات، وحملات النظافة والتشجير، والأحداث الرياضية.
وبعد انطلاق الأعمال لتنفيذ “المشروع الاستعجالي المندمج لتنمية مدينة نواكشوط”، وكإجراء تحضيري لاعتماد اللامركزية التنموية، قامت الحكومة، في إجراء غير مسبوق، بإرسال بعثات رفيعة إلى كل الولايات مصحوبة بتوصيات واضحة تتعلق بضرورة أن تكون البرامج التى سيعودون بها من الداخل نابعة من رغبات السكان المحليين الذين يعرفون مشاكلهم الحقيقية، حتى يتحقق الرفع من مستوى الخدمات الأساسية فى الداخل، ويشهد البلد، كل البلد، نقلة نوعية حقيقية ستغير وجهه الحضاري وواقع ساكنته المعيشي، وسيخفف الضغط عن العاصمة التي ستتنفس الصعداء بعد أن تلحق بنظيراتها مظهرا وجوهرا في المستقبل القريب.