“المزوزية” قرية صغيرة لكن قلبها كبير، تقع شمال مقاطعة عدل بگرو، على بعد نحو العشرين ميلاً. هي القرية التي حملتني بين أذرعها، واحتضَنَتْ صغيرًا لا يعرف من الدنيا سوى أحلامه البسيطة. في تلك القرية، تلقيت أول دروسي في الحياة، فكانت مدرستي الابتدائية مليئة بالذكريات الجميلة، كما كانت محظرتي الزاخرة بآيِ القرآن الكريم، حيث اكتسبت من علوم الدين وأساسيات علم الدنيا،ما كان له أثرٌ كبير في تشكيل شخصيتي. مكثت فيها ست سنوات، لكن الأيام لم تكن كفيلة بمحو تلك الذكريات التي تذوقتها بكل براءتها.
حين كنت أعيش هناك، لم أكن أدرك كم كنت محظوظًا بوجودي بين هؤلاء الطيبين. كانت “المزوزية” آنذاك عبارة عن ثلاث مائة دار تقريبًا، لكن كل دار فيها كانت تحمل في جدرانها قصة، وكل منزل كان يفيض بالدفء والمودة. لا أذكر أنني لاحظت في أيام مكوثي هناك زلة من أحدٍ تجاهي. أذكر فقط كرم أهلها، وحسن ضيافتهم، وترابطهم الذي أدهشني، فهم متنافسون في العطاء، لا يعرفون معنى للبخل أو القسوة. في كل بيت كنت أجد أصدقاء، وعائلة تمد يديها لمساعدتي بكل حب.
كانت القرية تزينها أشجارٌ خضراء، كانت هذه الأشجار شاهدة على الفصول المتعاقبة، وما شهدته من أفراحٍ وأتراح. كانت بركها العائمة تنبض بالحياة، فتشعر وأنت تقترب منها كأنها تحمل في مائها طيب الأرض وحنان السماء. أما الآبار، فكانت معجزة قائمة في وسط هذه البقعة من الأرض، تتنامى وتنبض بالحياة، تمد أهلها بالعطاء، وتمدهم بالحاجة…كل شيء هناك جميل ، وصحيح أن الأرض تسعد بأهلها وتشقى.
وكما هو الحال مع كل شيء جميل، فقد مر الزمن، وانتهت تلك المرحلة ، وتغيرت الأشياء من حولي. ولكن، بالرغم من كل ما تغير، يبقى أثر “المزوزية” في قلبي محفورًا لا يمحى. أعود إليها بين الحين والآخر، في الذكريات، لكنني لا أراها كما كانت؛ فقد تغيرت كثير من معالمها،. لكنني ما زلت أتمنى لتلك القرية الجميلة أن تعود كما كانت، أن تنمو وتزدهر، وأن تشهد طفرة في البنية التحتية التي تستحقها.
إن “المزوزية” بحاجة إلى الرعاية والاهتمام، إلى تلك الأيادي التي تعيد إليها نضارتها. نأمل أن تتعزز فيها المشاريع التنموية، وتزدهر فيها جميع مناحي الحياة، حتى تظلّ هذه القرية العريقة مصدرًا للفخر، وشاهدًا على تاريخٍ طويل من الحب والعطاء.
ختاما لايسعني في هذا المقام إلا أن أشكر كل من كان له يد في تلك الأيام الجميلة، من أهلها الأكارم، الذين كانوا ولا يزالون في قلب كل زائر، وإلى كل من ساهم في بناء تلك الذكريات الجميلة.
أخوكم وابنكم حامدن محمدالأمين اسعيد