الاخبارالمواضيع الرئيسية

كيف نقل النازيون أساليب التعذيب إلى سجون النظام السوري؟

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والانهيار الحتمي للنظام النازي، بدأ ضابط وجاسوس نازي ألماني بنشر مذكراته تحت الاسم المستعار هانس مالر Hans Mahler . يصف مالر في مقال نشر في المجلة الشهرية (Der Weg) “الطريق” التي أصدرها نازيون ألمان في الأرجنتين محطات هروبه في خريف عام 1947 من ألمانيا خوفا من الملاحقة بتهم ارتكاب جرائم حرب.

يقول إنه عبر خلسة إلى الجارة النمسا ومنها إلى (جنوب تيرول) بشمال إيطاليا ثم إلى جنوى على الشواطئ الإيطالية للبحر المتوسط قبل عبور المحيط ووصوله إلى محطته النهائية في بوينس آيرس بالأرجنتين.

في (جنوب تيرول) لم يمكث هانس مالر إلا بضعة أسابيع. فالغرض من هذه الاستراحة القصيرة كان الحصول على أوراق ثبوتية مزورة تساعده على مواصلة ما عرف في الأوساط المخابراتية الأميركية حينها بـ”خطوط الجرذان” (ratlines).

ويعود سبب اختيار المخابرات الأميركية لمصطلح “خطوط الجرذان” من أجل وصف الطرق التي استخدمها ضباط ومجرمو حرب نازيون من بلدان أوروبية عديدة على رأسها ألمانيا للهروب من ملاحقة الحلفاء لحقيقة يعرفها أهل البحر أفضل من غيرهم وهي أن الجرذان تكون أول من يقفز من على متن سفينة توشك على الغرق.

أدولف إيخمان رئيس جهاز غستابو الذي فر إلى الأرجنتين ثم سلم إلى إسرائيل التي أعدمته عام 1961(غيتي)

العدد الإجمالي للنازيين الذين فروا بعد الحرب العالمية الثانية من أوروبا إلى وجهات مختلفة يقدر ببضعة آلاف بينهم عتاة النازيين مثل مهندس الهولوكوست ورئيس جهاز البوليس السري (غِستابو) آدولف آيخمان Adolf Eichman و”ملاك الموت” الطبيب الضابط جوزيف مِنغِله Josef Mengele والقائد العسكري لمعسكري الاعتقال (ترِبلينكا) و(سوبيبور) فرانس باول  شتانغل Franl  Stangl و”جزار ليون”، كلاوس باربي Klaus Barbie ومن وجهة نظر الجانب الأهم في هذا التحقيق نائب آيخمان ويده اليمنى ألويس برونر الذي اختار دمشق بدلا من بوينس آيريس ومهندس ما يعرف بغرف الغاز المتنقلة فالتر راوف Walter Rauff الذي أسس في سوريا ما يعرف ب “البعثة العسكرية الألمانية” وقبل كل شيء، فرانس رادِماخَر Franz Rademacher “النازي المفتاح” على حد وصف أفضل العارفين بماضي النازيين في منطقة الشرق الأوسط، الروائي السوري إبراهيم الجبين.

ألويس برونر

الجبين يقول في حديث مع الجزيرة نت إن جميع السرديات المعروفة حول برونر ودوره “لا تتطرق لجميع مفردات القصة. وبدون هذه التفاصيل، تبقى قصة هذا النازي منقوصة”.

فما الذي يجعل هذه القصة ناقصة؟

الجبين يقول إن برونر “لم يذهب إلى دمشق صدفة. فهو لم يختار دمشق محبة ببلاد الشام أو أهلها بل لأن أشخاصا آخرين سبقوه إلى دمشق وعواصم أخرى في الشرق الأوسط وأسسوا قاعدة تفاهم مع الدولة العربية الناشئة آنذاك”.

An undated picture of Austrian-born Nazi war criminal Alois Brunner. The Simon Wiesenthal Center in Israel asked Prime Minister Ehud Barak 12 December 1999 to request the extradition of Brunner from Syria during peace talks scheduled in Washington 15 December. Though some Syrian sources say that Brunner died in 1996 and is buried in Damascus, the center claims he is still alive in the Syrian capital.
صورة غير مؤرخة للضابط النازي ألويس برونر الذي انتقل للعيش في سوريا(الفرنسية)

بداية القصة ـ بحسب الجبين ـ كانت في القاهرة وليس في دمشق وتحديدا عندما بدأ الأمير محمد علي المكلف بالجهاز الأمني في مصر باستقبال طلائع الضباط النازيين والتعاقد معهم من أجل تأسيس جهاز المخابرات، نظرا لحاجة مصر ودول عربية أخرى استقلت حديثا لبناء مؤسسات الدولة ومن ضمن هذه المؤسسات الجهاز الأمني لدرجة أن هذه الدول تنافست على هؤلاء الخبراء.

يضيف الجبين أن “المفتاح” في قصة جميع النازيين الذين طوروا آلة القمع في منطقة الشرق الأوسط كان أحد مهندسي الهولوكوست في وزارة الخارجية الألمانية النازية فرانس رادِماخَر الذي تكتفي الأدبيات الألمانية في تعريفه على أنه “دبلوماسي نازي” حكم عليه بعد رجوعه من سوريا إلى ألمانيا في عام 1966 بالسجن لمدة خمسة أعوام ولكنه لم يقض منها يوما واحدا خلف القضبان.

وحسب الجبين فإن فرانس رادِماخَر الذي تنقل بين القاهرة وتونس ودمشق هو الذي دعا برونر وأقنعه بالقدوم إلى دمشق، حيث احتاج برونر في بداية حياته في العاصمة السورية لتغيير اسمه إلى د. جورج فيشر وللاختباء وراء مهنة طب الأعشاب، وذلك كله في مكتب صغير بدمشق يحمل اسم “الشرق” وتقاسمه مع فرانس رادِماخَر الذي كان عميلا متعدد الأطراف وعمل قبل كل شيء لصالح لمخابرات الأميركية (سي آي إيه) والألمانية (BND).

ولكن بداية مشوار برونر ورادِماخَر كانت فعليا مع ضابط المخابرات السورية الشهير عبد الحميد السراج الذي بدأ ببناء مؤسسة أمنية “تمزج بين الاتجاه العنفي لأجهزة المخابرات والعقلية النازية”.

الروائي السوري ابراهيم الجبين منصة اكس - @syr_television
إبراهيم الجبين: سجن صيدنايا هو نسخة من السجون النازية (مواقع التواصل الاجتماعي)

الكرسي الألماني

ويقول الجبين إن أكبر دليل على نقل هؤلاء “الجراذين” خبراتهم إلى سوريا وغيرها من دول المنطقة هو أن تركيبة وبناء السجون السورية التي تشبه إلى حد كبير تركيبة نظيرتها النازية لدرجة أنه يمكن القول إن سجن صيدنايا مثلا هو نسخة طبق الأصل لأي سجن نازي، حيث توجد على سبيل المثال محرقة تم كشفها من خلال أقمار صناعة أميركية قبل سقوط النظام.

ويجزم الروائي بأن من نقل تركيبة وبناء السجون النازية إلى سوريا هم هؤلاء الضباط، قائلا “أكثر من ذلك اسأل أي سجين سياسي سوري عن أكثر أساليب التعذيب التي تعرض لها سيقول لك فورا “الكرسي الألماني”.

من نقل الكرسي الألماني إلى سوريا؟

“بالطبع ألويس برونر هو الذي نقل الكرسي الألماني إلى سوريا”-يؤكد الجبين- ويربط بين هذا الكرسي والذهنية النازية المرتبطة بثقافة تعذيب الساحرات من خلال ما يعرف بـ”كرسي تعذيب ومعاقبة الساحرات” (Hexenstuhl) الذي يعد من أيقونات وسائل التعذيب النازية.

الجبين يرصد في عام 1961 تحولا مهما وهو إلقاء القبض على آدولف آيخمان في الأرجنتين. ففي هذا العام ألقت المخابرات الإسرائيلية القبض على آيخمان ومثلت “مسرحيتها” المعروفة بإعدامه، مما حفزها على محاولة إلقاء القبض على نازيين آخرين أهمهم مساعد آيخمان ألويس برونر ولهذا -يضيف الجبين- أرسلت إلياهو بن شاؤول كوهين (إيلي كوهين) إلى دمشق حيث سخر معظم وقته بين عامي 1961 و1965 للبحث تحديدا عن برونر.

ويبني الجبين على برقيات مخابرات ورسائل تؤكد أن إيلي كوهين تمكن من الوصول إلى برونر، وذلك من خلال النازي الذي أقنع برونر بالقدوم إلى سوريا وهو فرانس رادِماخَر.

إيلي كوهين في دمشق في أوائل الستينيات (مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)
إيلي كوهين اهتم في دمشق بالبحث عن برونر (مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي)

رادِماخَر وافق بعد لقاء كوهين -حسب الجبين- على “بيع” أو “تسليم” برونر للمخبر الإسرائيلي إيلي كوهين وما يثبت ذلك هي البرقية التي تحمل اسم (88) وحولها كوهين لإسرائيل قائلا فيها إنه عثر على ألويس برونر، ولكن الإسرائيليين غيروا الخطة لأن هذا النازي لم يعد مهما بالنسبة لهم.

ويضيف أن الإسرائيليين اكتشفوا أن هناك شيئا أهم وهي الخطة الرامية إلى استغلال كوهين صاحب العلاقات المتشعبة في سوريا من أجل “تأسيس نظام موال لإسرائيل” في دمشق قائلا “هذه الخطة كانت تنافس3 مشاريع أخرى واحد فرنسي والثاني تركي والثالث أميركي وكلها خطط معلنة وتهدف إلى إقامة نظام موال لها في دمشق”.

برونر عرف بأن رادِماخَر باعه للإسرائيليين ولكنه في هذا الوقت كان قد وصل إلى ذروة مشواره الإجرامي في سوريا.

ولكن كيف ولمن يعود الفضل في ذلك؟

“بالطبع لقائد سلاح القوات الجوية حينها حافظ الأسد الذي قرر تأسيس قسم المخابرات الجوية الذي تفرعت عنه جميع أقسام المخابرات السورية. وعندما “اشتد عود” برونر وكسب ثقة الأسد ـ يقول الجبين ـ أول شيء قام به كان الثأر من رادِماخَر وتسليمه للمخابرات السورية بتهمة العمل للمخابرات الإسرائيلية والأميركية”.

وهكذا انتهى رادِماخَر فعليا. فقد تم سجنه في سوريا وانهارت صحته حتى بدأ الأميركيون بالمطالبة به لتطلق المخابرات السورية سراحه ويرجع إلى ألمانيا حيث حكم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة ارتكاب جرائم حرب أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكنه كما قلنا سابقا لم يقضِ ولا حتى يوم واحد خلف القضبان، ليتم طي ملف هذا النازي رغم أنه يتحمل جزءا من مسؤولية الجرائم التي ارتكبها النظام النازي في كل أوروبا.

ألويس برونر الذي ولد في النمسا لم يكن متحمسا لمغادرة ألمانيا، لا إلى أميركا اللاتينية ولا إلى الشرق الأوسط. فبعد الحرب، تنقل تحت الاسم المستعار ألويس شمالدينست من مدينة ألمانية إلى أخرى ومن عمل إلى آخر. عمل في ميونخ سائق شاحنة للقوات الأميركية وفي إيسن بغرب ألمانيا في أحد المناجم لغاية إصدار محكمتين في مرسيليا وباريس في عام 1954 حكما ضده بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد المقاومة الفرنسية واتخاذه قرار الهروب إلى الشرق الأوسط.

  • ولكن ماذا عرفت المخابرات الألمانية والحكومة عن نازي تقلد أعلى المناصب في آلة القتل النازية ويتحمل مسؤولية ارتكاب جرائم حرب في 4 دول أوروبية؟
  • وهل كانت تعرف أنه هرب تحديدا إلى سوريا؟
  • وما علاقة رئيس ومؤسس الشعبة الخارجية للمخابرات الألمانية (BND) حينها راينهات غيلِن في تهريبه؟

هذه الأسئلة وغيرها بدأت منذ أكتوبر من عام 1985 تشغل الرأي العام الألماني والسبب مقابلة أجرتها المجلة الألمانية الصفراء (بونته) في دمشق مع شخص يدعى د جورج فيشر. لاحقا تبيّن أن جورج فيشر هو ألويس برونر المتواري عن الأنظار منذ 30 عاما.

إحدى الصحف الألمانية التي أرادت كشف مخبأ برونر كانت الصحيفة الكبيرة “بيلد” التي دخلت في سجال قانوني مع المخابرات الألمانية استمر 8 أعوام، بغية الحصول على الوثائق التي توضح كيف هرب برونر؟ وإلى أين هرب؟ وما علاقة المخابرات والدولة الألمانية بكل ذلك؟.

وعندما وصلت القضية إلى المحكمة الدستورية العليا، أفرجت الشعبة الداخلية للمخابرات الألمانية في عام 2020 عن تقرير مكون من 129 صفحة وعزت تعذر الإفراج عن بقية الوثائق بإتلافها. لاحقا، قدمت المخابرات 267 صفحة إضافية، علما أنه تم في التسعينات إتلاف تقرير آخر مكون من 581 صفحة.

ومن خلال اطلاع الجزيرة نت على هذا التقرير، يتبين أن المخابرات الألمانية كانت تعرف منذ عام 1960 بأن برونر يعيش في دمشق تحت الاسم المستعار د. جورج فيشر وأنه -وفق هذا التقرير- كان على تواصل مع مخبرين يعملون مع الشعبتين الخارجية والداخلية للمخابرات الألمانية.

الموسوعة - شعار صحيفة بيلد - bild
صحيفة بيلد دخلت في نزاع قانوني مع المخابرات بشأن برونر  (الجزيرة)

ولكن الأدهى تورط رئيس الشعبة الخارجية للمخابرات الألمانية حينها راينهارت غيلِن والنائب عن الحزب المسيحي الديمقراطي في البرلمان رودلف فوغل في مساعدة برونر على الهروب إلى سوريا. النائب فوغل نفى ذلك لاحقا.

ولكن كيف انتهى برونر؟

هنا تختلف رواية الكاتب إبراهيم الجبين مع كشف لافت للمجلة الفرنسية XXI التي تنقل عن 3 عناصر سابقين في المخابرات السورية تأكيدهم انتهاء برونر “مخلصا للنازية” ومعاملته من قبل المخابرات السورية بقسوة. تقول المجلة إن” برونر كان منهكا ومريضا جدا ودائم الصراخ من كثرة المعاناة (…) كانوا يقدمون له أكلا مقززا (…) لقد قضى بقية عمره حتى وفاته في عام 2001 معزولا في أحد أقبية أجهزة المخابرات السورية”.

الجبين يقول بالمقابل إن برونر وجميع الضباط النازيين الذين ساعدوا النظام السوري على بناء أنظمة القمع المختلفة “عاشوا في دمشق في أرقى الأحياء معززين مكرمين ولهذا لا أرى سببا للانتقام منهم بالطريقة التي تحدثت عنها هذه المجلة لأن النظام السوري لا يحتاج للتنكيل بهم”.

فالتر راوف و”البعثة الألمانية” في سوريا

قصة مخترع غرف الغاز المتنقلة فالتر راوف تختلف قليلا عن قصة برونر. صحيح أن المعلومات تتضارب حول طريقة هروبه من إيطاليا إلى سوريا ولكنها تجمع على قِصر إقامته هناك، وعلى أنه أسس في سوريا ما يعرف بـ”البعثة العسكرية الألمانية”.

ووفق الأكاديمية نورا شالاتي من جامعة إيرفورت فإن هذه البعثة العسكرية تكونت من عشرات النازيين الذين خدموا إما في القوات المسلحة (فيرماخت) أو في القوات الخاصة (إس. إس. أو شوتزشتافل) وتعاقدوا مع الجيش وأجهزة المخابرات السورية في إطار عقود عمل لعام واحد.

وأضافت المختصة في العلاقة بين جهاز أمن الدولة (شتازي) في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا) وسوريا في حديث مع الجزيرة أن اللافت هو تدخل الرئيس السابق للشعبة الخارجية للمخابرات الألمانية راينهارت غيلِن في عام 1951 لدى وزارة الداخلية الألمانية من أجل مساعدة عشرات النازيين الذين فروا إلى سوريا على الحصول على جوزات سفر ألمانية وعلى تسوية وضعهم القانوني في ألمانيا.

نورا شالاتي باحثة في جامعة إيرفورت
نورا شالاتي: 200 نازي فروا إلى سوريا واضطلعوا بمهمات استشارية في الجيش (الجزيرة)

وتقدر شالاتي أعداد النازيين الذين هربوا إلى سوريا بـ200 شخص وتقول إن العسكريين منهم “اضطلعوا بمهام استشارية حيوية” في الجيش وفي المخابرات العسكرية السورية مضيفة أنهم “قدموا للجيش وللمخابرات العسكرية استشارات تكتيكية ولوجستية وإستراتيجية”.

وحول تورطهم في نقل أساليب تعذيب إلى سوريا تقول إنها لم تعثر في الأرشيف الاتحادي (Bundesarchiv) على وثائق تؤكد ذلك ولكنها تضيف أن هناك “إشارات” إلى استخدام هذه الأساليب في سوريا وتحديدا ما يعرف بـ”الكرسي الألماني”.

وحول “الكرسي الألماني” لا تشير وثائق الروائي السوري الجبين فحسب إلى أن بورنر هو من نقل هذا “الاختراع” إلى السجون السورية، بل أيضا تقارير منظمات حقوقية، ولكن شالاتي تقول إنها لم تعثر في الأرشيف الاتحادي على وثائق تؤكد ذلك.

“رجل هتلر في الفاتيكان”

وإذ يشير تقرير المخابرات الألمانية إلى تورط شخصيات نافذة في الأوساط الأمنية الألمانية في مساعدة ألويس برونر على الهروب إلى سوريا، تؤكد مصادر تاريخية ضلوع الفاتيكان وكنائس كاثوليكية والصليب الأحمر أيضا في إخفاء ومساعدة “جرذان” آخرين على الهروب من أوروبا.

كتاب
كتاب “رجل هتلر في الفاتيكان … الأسقف ألويس هُدال والفصل الأسود في تاريخ الكنيسة” للمؤرخ يوهانِس زاكسلينرز (الجزيرة)

ولعل أفضل المصادر التاريخية التي تؤكد ضلوع الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان في تهريب النازيين وتزويدهم بالأوراق الثبوتية المزورة هو كتاب “رجل هتلر في الفاتيكان … الأسقف ألويس هُدال والفصل الأسود في تاريخ الكنيسة” للمؤرخ يوهانِس زاكسلينرز.

في هذا الكتاب الفريد يكشف المؤرخ حماس الأسقف النمساوي ألويس هُدال للأفكار النازية وللزعيم آدولف هتلر وقبل كل شيء، يثبّت تورطه في تهريب عدد كبير من النازيين من روما إلى بوينس آيريس.

المخابرات الأميركية و”أعداء الماضي” 

ما يثير العجب هو إقرار المخابرات الأميركية بمساعدة “أعداء الماضي” على الهروب من أوروبا، وذلك نكاية بـ”الأعداء الجدد” السوفيات. ويصف تقرير منشور في الأرشيف الوطني الأميركي كيف ساعدت المخابرات الأميركية رئيس جهاز البوليس السري النازي (غِستابو) في فرنسا و”جزار ليون” كلاوس باربي على الهروب.

يقول التقرير: ” تقرير “جزار ليون”، كلاوس باربي يتضمن نسخا من وثائق ألمانية (…) وأعدادا كبيرة من وثائق الجيش الأميركي ووزارة الخارجية واستفسارات الكونغرس (…) وتحقيقات داخلية أجراها الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية. التصور الأساسي الذي يظهر من هذه الوثائق هو أن هيئة مكافحة التجسس التابعة للجيش الأميركي قامت بحماية باربي بعد الحرب ضد الملاحقة الفرنسية وساعدته على الوصول إلى أميركا الجنوبية” (بوليفيا).

Former Gestapo officer Klaus Barbie sits behind a glass screen before the Lyon Assize court at the opening of his trial. Barbie is accused of crimes against humanity. (Photo by Peter Turnley/Corbis/VCG via Getty Images)
المخابرات الأميركية ساعدت لويس باربي رئيس البوليس السري النازي على الهروب نكاية بالسوفيات (غيتي إيميجز)

رجوعا إلى الضابط النازي الذي ورد اسمه في بداية التقرير هانس مالر. في عام 1994 فاجأ صحفي أميركي هذا النازي في أحد شوارع المدينة الأرجنتينية سانت كارلوس دي باريلوتشي وسأله عما إذا كان راينهارد كوبس، فأنكر. ولكن إصرار الصحفي أتى بعد دقائق من العناد أُكله، فأقر بالفعل بأنه كوبس، ولكنه حاول في الوقت ذاته التقليل من أهمية ماضيه النازي باستخدام مقولة ألمانية شائعة: “أنا مجرد سمكة صغيرة Ich bin nur ein kleiner Fisch)) مقارنة مع نازيين آخرين يعيشون في نفس المنطقة مثل إيريش بريبكه، النقيب النازي الذي يتحمل مسؤولية مجزرة ارتكبت في عام 1944 في روما ويبيع النقانق الألمانية على بعد شارعين من هنا”. فشكره الصحفي على الصيد الثمين ومضى إلى نازي آخر قضى بقية حياته البائسة في كشك لبيع النقانق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى