مقالاتالمواضيع الرئيسية

تأبينا للعقيد الأشوَس/ محمد فال ولد سيدي ميله

كان العقيد محمد الأمين ولد انجيان نشازا بين جلّ أقرانه. تلك هي الحقيقة: نقطة، رأس السطر.

حدّثنا عنه العارفون به، فاتفقوا جميعُهم، ضباطا وجنودا، على أن نظافة يده غير مسبوقة في تاريخ مؤسسة عسكرية تحوّل الكثيرُ من قادتها إلا أرباب للقصور المنيفة وقطعان المخائض وأرتال سيارات اللاندروفر، وأن حسن أخلاقه لا مثيل له في وسط عسكري تحكمت فيه العجرفة وخشونة السجايا، وأن ليونته مع الجنود وذوي الرتب الدنيا كانت مضرب المثل في بيئة مشحونة بالضغينة والتضخم المفرط للأنا والعطش الشديد للسلط.

لقد شهد كل من عرفوه أن حكمته فوق التصور، وأن شجاعته تهز الجبال، لذلك استشهد داخل مكتبه، مقبلا غير مدبر، يدرس الوضع، ويخطط، ويقدم الأوامر كقائد لا يعرف الخوفُ طريقا إلى قلبه الطاهر الناصع كبياض سريرته. لقد مات وهو يلعب دوره العسكري كاملا كقائد عظيم لا يخون الزمالة ولا يعرف الفرار والانسحاب في آخر لحظة عندما تُسَد جميع الأبواب.. مات بقذيفة طائشة، رماها جندي طائش، لا هي تزن، ولا هو يزن مثقال ذرة من عظمته، وكبريائه، وشجاعته، وقيمته المعنوية والتاريخية.

ربما لم يكن ولد الطايع على حق، وربما لم يكن “الفرسان” على حق، فكلهم انقلابيون، متناقضون، في الصميم، مع مفاهيم الديمقراطية. غير أن العقيد محمد الأمين ولد انجيان، مات عظيما وشهيدا لأنه دافع، حتى ارتقى إلى بارئه، عما يعتقد، في يقينياته، أنه الحق مهما اختلف الآخرون مع وجهة نظره. وبالتالي كان موته تضحية قصوى في سبيل التزامه الأخلاقي والفكري، ووعيا منه بمسؤوليته وموقعه، وتشبثا منه بمبدأ الاستقرار السياسي الذي يراه، شخصيا، ضامنا أوحد لأمن الشعب والوطن. فلا شك إذن، والحال هذه، أن الدولة الطائعية، ومن أعقبوها، قصّروا في تكريمه، والإشادة بدوره، وإعادة الاعتبار لأسرته الكريمة.

مهما يكن، وأيا كانت الآراء حوله، ومهما قيل، فقد مضى في صمت لفّه عدم الانصاف، لكن التاريخ سجله في زمرة العظماء المخْلصين لمواقفهم ومواقعهم.. باكرته من الرحمات الإلهية أنواءٌ تترى، وربط الله على قلوب ذويه بالصبر والسلوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى