الاخبارمقالات

قصص بوليسيه “كونستا”

الدهماء،ريم

“قصص بوليسية” ، “كونستا”

…………ا

لا أحذر شيئا في زحمة المرور قدر حذري من “الواو”،.. وذات زوال، وقد أقفلتُ عائدة إلى البيت من أحد المجمعات التجارية، رمت الأقدار في طريقي عربة “واو” مترنِّحة يمتطيها مراهق، حرق الإشارة الحمراء في ذات اللحظة التي أَذِنت لي فيها شقيقتها الخضراء بالمرور، فَقَدَ السيطرة عليها، فارتطمت بمقدمة سيارتي بعنف، ليتوقف على بعد أمتار.

ترجلت نحوه لأطمئن على سلامته، وجدته بخير،.. وكان مرتبكا جدا.

 

تفقدت أضرار سيارتي: تهشَّمت لوحة الترقيم والشبكة الحاملة لعلامة موديل السيارة، مع كشط طويل في “البراشوك”.. عموما ترك الحادث أثرًا قبيحا.

طلبَ مني “الجاني” مسامحته بإلحاح، معترفا -ببراءة جاهلة- أنَّ عربته بلا فرامل!، أفصحتُ له عن نيتي رفْضَ طلبه، وأخرجتُ هاتفي للاتصال بالشرطة،.. وفي لمح البصر تجمْهر حولنا أغلب العابرين إلى “سوق الرزق” من جُند العربات و”الواوات”، وانطلق مهرجان صوتي من الحمية والمشاعر الانتقائية تضامنا مع المراهق، وبدأنا نسد ملتقى الطرق ونعرقل المرور.

أجْمَعَ الجَمْعُ بداية على وُجوب أنْ أسامحه لزومًا،.. ثم بعد حين على وجاهة أنْ أسامحه تفضُّلاً ونطلص راصي، ونطلص اطريگ، وأنه مسكين، وأنَّ ما حصل لا يخرج عن المَقْضِيِّ والمُقدَّر، وبتكرارٍ مُمِلٍّ لنفس الجُمل وإعادةٍ بالزِّيادة.

وهذا يعني أنَّ المراهق المتهوِّر مغفور الجُرم برَسم الضُّعف، لأنه “مسكين” بالتَّصنيف!، و يعني كذلك أن العدل لا يجوز في حقي لاحتمالٍ ظنِّي بأني لستُ “مسكينة” في مِلَّة أهل العربات،.. ثم انبرى أسنّهم فأرعد بصوت جهوري، ثم أمطر هذيانا لا يفيد حكمة، وأساسه أني ظالمة في قانون سيره وتقديره، كما أمر خصمي بالعصيان والمغادرة،.. وقد أجاز بقية الحضور هَذَره بهذَرٍ مختلط، فيبدو أنه سندٌ عالٍ في مشهور الفوضى في ذلك المُربَّع.. في تلك اللحظة بالذات، تَوجَّه عفريتُ العناد إلى دماغي واضَّجَع، فهو حَرون يُحسن اللّجاجة إنْ استفز،..

 

لم يُظهر المُراهق سُلوكا يُفيد الرغبة في الاحتماء بهم، كان يستمع إليهم في حيَّادٍ أبْله.. حاولتُ أن أعزل نفسي شيئا ما عنهم وأتابع الاتصال بالشرطة،..رَفع شُرطيٌّ 117 السماعة بسرعة، طلبتُ منه رقم “كونستا” الذي تتبع له منطقة الحادث، فأملاني إياه، اتصلتُ به، حدَّدْتُ العنوان، كان ردّ الشرطي أن مفوضيته في حدود “سيتي ابلاج”، وأن عليَّ الحضور لاصطحابهم إلى حيث سيارتي!

 

أُسْقِط في يدي!، ماذا يعني أن أُحرَّك سيارتي من مسرح الحادث، وإن حركتها فعلى أيِّ قاعدة سيبنون استنتاجاتهم بشأن المسؤولية بين أطراف الحادث؟!، منطقيا ما قيمة “كونستا” بعد ذلك؟!، ثم سألته: «ألاَ تتوفَّرون على سيارة للتَّنقل؟»، كان ردّه: «كلّ سياراتنا في مهام مُماثلة»، قلتُ: «أنا مُستعدَّة للانتظار حتى تعود احداها»، قال: «لا أنصحك بذلك، إذا كنت مُصرة على “كونستا”، افعلي كما بَيَّنتُ لكِ!»، وأردف: «ابحثي عن أقرب شرطيٍّ منكِ حتى لا يفر صاحب العربة»، ثم أغلق الخط!

بعد ربع ساعة تقريبا، أفرغ الجَمْعُ شُحنته الصوتية فَفَرِغَ وتفرَّق من حولنا، ربما “اندحسو” من انتظار فضِّ اشتباكٍ توقَّعوه سريعًا، خصوصًا أنني حصرتُ التنازع في إثنين فقط: “أنا مقابل الحديدة المجنونة”.

بالمُجمَل، كان من أهداف إصراري العنيد، توقيف العربة ذاتها، لأنها خَطَر عام، فاحتمال أن تقتُل سائقها أو أنْ يَقتل بها احتمالٌ واردٌ جدا..

 

حضر المالك الحقيقي للعربة، شابٌ نحيلٌ حدَّ الهُزال، أبيضَ البشرة، لفَّ لثامًا حول وجهه كالضَّمادة، استعرض أمامي احتجاجه على تعطيل آلته وعامِله، نفى بشدة عُطل المكابح، وسَفَّه انتظاري “لكونستا” بنبرة مستهزئة،.. فعقدتُ النية على معاقبته بدرس صامتٍ من الملل،.. انزويتُ في سيارتي، وشَرَعْتُ أنقل الأحداث لفرد من أسرتي ليتدبر استقدام “كونستا”.. فأخذتُ من الوقت حيزا جعل المالك المستهتر يتململ أكثر، واصفا بعض الناس “بمتن الراص والبلگه ووو”، وبين هذا وذاك يقترب مني باستفزاز بُغية التفاوض.. وقد يقترب مني عابر طريق يسألني عن المشكل فأرد تأدبا ثم يمضي في حال سبيله.

 

انصرم الوقت ببطء، وشيَّعتُ الأمل في حُضور الشُرطة إلى مثواه الأخير، انتقلتُ إلى طور التَّمني أنْ يَمرَّ أيُّ متطوع فضولي ويعرض الصُّلح بيننا!، فيجعلني أتكرَّم بعفوٍ اعتباري يُنهي مسار التأزيم بين العربتين، وأصون به ماءَ وجهي المُتعنّت، الطريف أنَّي أهلكتُ ساعة أتَعنْترُ على خصمي وأتَوعُّده بتأديبٍ بوليسي لن يكون في غير مُخيِّلتي.. صرتُ أريد لملمة خيبتي وحَرَجي لا أكثر!

 

حضر من اتصلتُ به من أسرتي، هرع إليه خصمي يشْكوني بلهجة غير راقية،.. لم يُجبه القادم، إذْ فتح صندوق سيارته الخلفي، أخذ رافعة العجلات واتجه صوب عربة “الواو”، وخاطب مالكها: «شوف مافم مشكله، البوليس كيفشي ماهم مطموعين،.. ظرك لاهي انْهرسْ آنَ خنشيش وَاوَك، أيَّاك تِخْلِص هيَّ، واتعودو كيتْ لا طالب ولا مطلوب، وإلى رديتني عن ذاك، لاهي انهرسك انتَ من راصك»..ههه، قفزتُ من سيارتي محتجة على “عدالته” المتطرفة،..

 

أعرف جيِّدًا أنَّ La peau lisse حسَّاسة لضوء الشمس، لكني فعلا لحظتها تجلت أمامي مَقُولة أنَّ الطبيعة لا تحتمل الفراغ، وحين يَغيب الاحتكام إلى القانون بأدواته، يُملَأ الفراغ بالاحتكام إلى أدوات الغاب، فكيف أقنع الشرطة أنَّ عليها توفير الوسائل الكفيلة بحصولي على وثيقة صادرة عنها في الموقع، تحفظ لي ولخصمي حقوقنا القانونية، وكيف أقنعها بصفتي مواطنة، أني غير ملزمة بتوفير النقل لها لتنفيذ مهامها المنوطة بها، ولستُ بندا في ميزانيتها اللوجستيكية!

 

وتذكَّرتُ حادثةً قرأتُ عنها في اليمن، وأضحكني شَرّ البلية .

فقد قيل إنَّ مِصر انتدبت بعثة من الأساتذة للتدريس توزَّعوا على قُرى ريفية تقطنها قبائل يمنية، لكل قبيلة أستاذ،.. وشاء الله أن يُقتَلَ أحدهم على يد فردٍ من غير القبيلة التي يُدرِّسُ لها، فاحتجت السفارة المصرية لدى الحكومة، والأخيرة طَمْأنتها بتسوية ستُرضيها،.. وفي بحثها عن مخرج من الورطة، أوعزت الحكومة إلى حكماء من شيوخ القبيلة المَجْنِي على أستاذها بالتوصل مع جيرانهم لحل يكفل حقَّ المغدور وفقًا لما بينهما من عُرفٍ ومَعروفٍ تليد، وبعد حيص وبيص استقر رأي الحكماء على قصاصٍ مُغلَّفٍّ بالثأر، بمَعنَى أنْ تَقتُل القبيلة المُعتَدى على أستاذها أستاذ القبيلة المُعتدية، ومختصر منطوق الحكم يقول: «قَتلوا مِصْرينا، نقتل مِصْريهم».. معناها بَعْدْ عنْ أزاگُول ألاَّ في المصريين امسيكينين.. أنا كذلك أسأتُ التقدير كحكومة اليمن.. تهشَّمت سيارتي ومن استدعيتُ من “الحزَّازة” دفعه “شَوْفْتُو اعْلَ الشُّرطة” إلى عتو في تنفيذ الحكم بتهشيم “الواو” قصاصًا.

 

تحت التهديد بالتَّعقيد تنازل مالك “الواو” عن بعض غروره، وأقرَّ بخَللِ المكابح وتفاوض معي بجدٍّ على تقييم الأضرار وبنبرة استعطاف!،.. كان تقديره الأعلى للتعويض يدور حول 3000 أوقية قديمة، على أساس أنَّ لوحة الأرقام تكلف 2000 أوقية قديمة، أما الألف الفائضة فربما تَصْلُح إكرامية لتركيب اللوحة وإصلاح الكشط في “الباراشوك” وشراء الشبكة الحاملة لعلامة السيارة وتركيبها وإعادة الصباغة، وتعويض الوقت والضرر النفسي، .. فوجدتني أوقع صفقة وطنية مقبولة!

 

مقابل التنازل عن التمويل المعروض، طلبتُ منه ابعاد المراهق، والتوجه بعربة الموت إلى أقرب گاراج لإصلاحها، فوعدني.. ذلك أضعف الإيمان، فلا أملك حيال الأمر أكثر من تقديم الوعظ البارد والتظاهر بالحكمة نيابة عن البوليس..

وبما أن “واو” عربة مُـ.خنَّـ.ثة، نصفها الأمامي درَّاجة ونصفها الخلفي “كاميُونَتْ”، لمَ لا يُلزم صاحبها بلبس خوذة لحمايته، مادام غير مُلزم بحمل رخصة سياقة!

 

اقترحتُ علَى مَنْ استنجدتُ به، أن أتبعه بسيارتي إلى لكصر لتركيب لوحة جديدة، تجنبا لمضايقات لاحقة من عناصر أمن الطرق المُسماة حديثا الشرطة.

 

وما إنْ أخذتُ المنعرج تجاه سوق المطار، وقبل أن يرتد إليَّ طرفي، وجدتُ سيارة “لاند اكريزر” بالأبيض والأسود تنحرف نحوي برشاقة لتعترضني، حتى إذا وضعت أنفها إلى أنف سيارتي المهشم، قفز منها شرطي بلياقةِ وهِمَّةِ مَنْ يُطارد عصابة خطيرة: «أوراق السيارة!»، استفسرتُ عن طبيعة المخالفة، فقال: «غياب لوحة الأرقام الأمامية»، أشرتُ إليها جنبي قائلة: «لقد قَضت نَحبها في حادثٍ منذ ساعة، وجئت هنا لبعثها من موتتها»، ثم سألته: «مانكْ صايب عن ذي الوته وهذي اشطورية لمْجي يكانَّ انمرگوها افشي أهم من هذا؟».. گالي: «ذاك شنهو»، گتلو: «نعطوها لأهل گونستا مثلاً»، گالي: «ماقالينهم الوتات»: قلتُ: «الله إبشرك بالخير، ألاَّ إمابيين هُومَ وإخْلاص».

 

هل تُدرك إدارة الأمن، أن تفعيل المفوضية المسؤولة عن “كونستا” (لا أعرف اسمها الإداري) من الأولويات، وأنها ضرورة “للحزازة” بين شعب شُبه أمِّيٍّ ومتعصِّب عِرقًا ولونًا، واصطفافًا وحميَّة، وغيابها قد يترتب عليه غياب السكينة وضياع الحق العام والخاص في حماية الأرواح والممتلكات و الحق في الاستفادة من التأمين.

 

ولد حرُّود انطلص؟،.. أراني ما اگبظت وصف من حَدْ،.. وفي النهاية، هذا بعد كامل أراهو ما تحتو ماهو الفَضلْ وشِي متعدَّلْ، والشرطة في خدمة الشعب.. والشَّعب يُحبها ولا يحب من يزعجها.

 

تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى