
أصبحت منصات التواصل الإجتماعي في موريتانيا ميدانا موازيا لمناقشة القضايا السياسية والاجتماعية في البلاد وقد شهدت هذه المنصات إرتفاعا ملحوظا لوتيرة خطاب الشرائحية واللونية، ونقاشا حادا لموضوع الهوية، ونشاطا متزايدا للمواضيع المرتبطة بالتجمعات القبلية والجهوية.
الأمر الذي دفع العديد من المثقفين والصحافة وأصحاب الرأي للتفاعل والإدلاء بآراءهم حول هذه المواضيع، التي تحظى باهتمام كبير من الرأي العام الوطني، وتلمس بشكل مباشر مشاعر الجماهير، وتساهم في بلورة قناعاتهم وتصوراتهم للبنية القومية.
و تنذر هذه الممارسات التي تتنافى بلاشك مع روح الدولة المدنية الحديثة ومبادئها ومقوماتها، بتحولات كبيرة على مستوى تفكير وسلوك طيف واسع من الجماهير، الأمر الذي يستدعي ويستوجب وقفة تأمل، وتعامل جاد من قبل السلطة الحاكمة، واتخاذ تدابير حكيمة لامتصاص الاحتقان الإجتماعي الذي وجد من وسائل التواصل الإجتماعي أرضا خصبة لنمو هذه الأفكار وانتشارها.
فالفكرة كما تعلمون تتحول إلى كلمة، والكلمات تنشئ الإرادة، والإرادة تتحول إلى فعل إيحابي أو سلبي، حسب الفيلسوف/
#_ميشل_دي_مونتين في مقالته [ #_قوة_الخيال]. حيث يقول في مستهله : الخيال القوي يصنع حدثا
وفي هذا السياق نستحضر مقولة شهيرة للفيلسوف السياسي والدبلوماسي ورجل الدلة الفرنسي العظيم/
Charles-Maurice de Talleyrand-
المعروف باسم / #_تشارلز_موريس_تاليران الذي يقول: [[ أصعب فن في السياسة ليس اتخاذ القرار، بل التنبؤ بما سيفعله الآخرون.]]
يشير هذا القول إلى فهم تاليران العميق للديناميكيات المعقدة التي تحرك الأحداث التاريخية، وخاصةً في فترة الثورة التي كانت مليئة بالتقلبات وعدم اليقين. حيث كانت قدرته على التنبؤ بالتحولات السياسية هي ما مكنه من البقاء في السلطة.
وعلى غرار تاليران يدلي عالم إجتماع الجماهير #_جوستاف_لوبون بفكرة مشابهة، في كتابه الشهير “#_سيكولوجية_الجماهير” الذي خصصه للحديث عن الطبيعة المدمرة للجمهور عندما يفقد الأفراد فيه هويتهم الفردية ويخضعون لسلوكيات جماعية غير عقلانية.
حيث يقول: [[ الفرد ما إن ينخرط في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقاً، أو يمكن القول إنها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها أو التعبير عنها، لينزل درجات عديدة في سلم الحضارة]].”
ونستنتج من هذه الاقتباسات، خطورة التساهل مع الخطابات اللونية والعرقية والشرائحية والجهوية والقبلية في ظل قيام كيان الدولة المدنية، التي يقع على عاتقها مهمة تعزيز قيم ” العدالة والمواطنة وفصل السلط، والتناوب السلمي على الحكم”.
وسد جميع الأبوب والأسباب المؤدية لتفشي الخطاب الفؤوي والشرائحي والعرقي واللوني والقبلي والجهوي.
وإدراكا منها لخطورة الوضع، بدأت أصوات النخبة والسياسيين والصحفيين وقادة الرأي ترتفع للإدلاء بآرائهم وتقديم مقترحاتهم لإيجاد مخرج سلس ومقبول للوضعية الراهنة.
بعد سلسلة لقاءات مع شخصيات سياسية بارزة ، مثل رئيس البرلمان السابق، والسياسي المحنك بيجل ولد هميد ولقاءات جمةهيرية، ظهر السيد برام الداه اعبيد في مقالبة صحفية ليؤكد بشكل قطعي، أنه سيصبح الرئيس القادم لموريتانيا سنة 2029.، مهما حدث وبأي ثمن، ولم يمر هذا التصريح مرور الكرام، بل إستوقف المعلقين وصناع القرار وأخذوه بمحمل الجد، لتبدأ ردود الأفعال بالظهور، من شخصيات سياسية وازنة ومقربة لدوائر السلطة.
في سياق الجدل الدائر، ظهر السيد بيجل ولد هميد الذي كتب مقالا طويلا، حول موضوع مستقبل الحكم في موريتانيا، مبرزا قدرات وكفاءات أحد أبرز رجال الحكم الحالي، وهو معالي الوزير محمد سالم ولد مرزوك، ونعته بالعديد من الصفات التي تخوله حكم البلاد سنة 2029، مقالة السياسي بيجل تلقفتها الجماهير وانتشر بشكل ملفت على وسائل التواصل الإجتماعي، وتم التغقيب عليها من قبل السياسيين وأصحاب الرأي بين مؤيد ومنتقد، ليصبح إسم معالي الوزير محمد سالم ولد مرزوك بمثابة ترند على مواقع التواصل الوطنية على إثر ذلك المقال.
محمد سالم ولد مرزوك هو خبير جيوفيزيائي وباحث ومؤلف ومستشار دولي ووزير موريتاني شغل مناصب وزارية وإدارية في البلاد وخارجها، ويتولى الآن منصب وزير الخارجية منذ نهاية مارس 2022 قادما إليها من حقيبة وزارة الداخلية التي شغلها منذ بداية حكم الرئيس محمد ولد الغزواني في أغسطس 2019
بدأت التجارب السياسية لمعالي الوزير الدكتور محمد سالم ولد مرزوك مبكرا، بتقلده مناصب سامية في الدولة ، وذلك سنة 1995 حينما عين مفوضا للأمن الغذائي، ومنذ ذلك الحين وهو يتدرج في المناصب السياسية السامية للدولة. إلى غاية عام 2025 حيث يتقلد منصب وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج، التي عين وزيرا لها في مارس 2022.
وفي ظرف وجيز أحدث ثورة إصلاحية في هيكل الوزارة لم يسبقه بها أي وزير، كما أعلى ورفع من سمعة البلاد وتمثيلها وحضورها على المسرح العالمي والإفريقي والعربي ، في كافة المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف.
هءا الرجل وضع بصمته التي لن تزول
في تشكيل السلطة التنفيذية للبلاد
حيث تقلد مناصب وزارية حيوية مثل:
– وزيرا للتجهيز والنقل 1997،
– وزارة المياه والطاقة 1998 ،
– وزير الصحة والشؤون الاجتماعية 2000
– المفوض السامي لمنظمة استثمار نهر السنغال 2002- 2013
– مستشار رئيس الجمهورية 2016-2019
وإلى جانب ذلك يكاد يكون الرجل الوحيد الذي شغل
مناصب لأهم الوزارات السيادية في البلاد ، مثل :
حقبة وزارة العدل سنة 1999
– وزارة الداخلية واللامركزية 2019
– وزارة الخارجية والتعاون 2022 إلى الٱن
منذ تسلمه لحقيبة الخارجية سنة 2022، حققت الدبلوماسية الموريتانية تحت قيادة معاليه نشاطًا ملحوظًا وإنجازات ملموسة على على كافة الأصعدة، حيث عرفت سنوات إدارته للقطاع مضاعفة التعاون الخارجي لموريتانيا في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والتنموية، وتعزيز الحضور الدولي والاقليمي لموريتانيا في القضايا العالمية.
وتمكن معاليه من جعل وزارة الخارجية منطلقا لتنسيق جهود كافة القطاعات الحكومية مع نظيراتها في الخارج،.
ونتيجة لذلك تضاعفت نسبة الإتفاقيات المبرمة بين موريتانيا ونظرائها، في كافة المجالات وشهدنا تزايدا كبيرا في عدد البعثات الدبلوماسية، ومشاركة واسعة في لقاءات مع وفود أجنبية لتعزيز العلاقات المشتركة .
كما شهدت وزارة شؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارح سنة 2025 تدفقا لانظير له للوفود واللجان المشتركة العليا للتعاون ، وتفعيل إتفاقيات شراكة كانت مجمدة منذ التسعينيات، ومن هذه اللجان المشتركة:
1- اللجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا والسينغال
2- اللجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا وتونس
3- اللجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا والجزائر
4- اللجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا والمغرب
5- للجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا ومصر
6- اللجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا وغامبيا
7- اللجنة المشتركة للتعاون بين موريتانيا وتركيا
8- المشاورات السياسية بين موريتانيا وكوت ديفولر
وتم توقيع العديد من الاتفاقيات المهمة لتعزيز التعاون الثنائي في العديد من المجالات الحيوية بين هذه الدول وموريتانيا، منها مايتعلق بالتعليم والأمن والطاقة والاقتصاد والاستثمار ….
كما برزت موريتانيا في جهود حل الأزمات الإقليمية، إذ شاركت بفعالية في الاجتماعات الوزارية حول أزمة النيجر عام 2023 وساهمت في صياغة موقف إفريقي يدعو للحوار واستعادة الاستقرار هناك، وكذلك لعبت دور الوساطة لخفض التصعيد بين الجزائر ومالي، إثر أزمة المسيرة سنة 2025.
سخر معالي الوزير جهود البعثات الدبلوماسية الموريتانية لخدمة أهداف التنمية. ونتيجة لذلك تم إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار كآلية وطنية عليا، لجلب الاستثمار كما تم تعيين ملحقين اقتصاديين في بعض السفارات الموريتانية لربط العمل الدبلوماسي بالمصالح الاقتصادية للبلاد، ونتج عن ذلك إبرام إتفاقيات إقتصادية مهمة مع دول الجوار.
تمكن معالي الوزير من تطوير أداء السلك الدبلوماسي؛ حيث عمل على تحسين ظروف البعثات الموريتانية في الخارج وتعزيزها بالكوادر البشرية المهنية، وبالتجهيزات، مما مكّن السفارات والقنصليات من تقديم خدمات سريعة وفعّالة للجاليات الموريتانية في الخارج.
كما شهدنا في عهده ثلاث موجات من التعيينات على مستوى الإدارة المركزية وفي الخارج أيضا، وكان العامل المشترك بينها هو إعتماد معيار الكفاءة والمهنية كعامل للتعيين وكذلك إشراك الشباب بشكل ملحوظ جدا، حيث أصبح معظم المدراء العامون والمدراء المساعدين في الإدارة المركزية من فئة الشباب المهنيين خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وكذلك الحال بالنسبة للخارج، حيث تم منح الشباب أولوية في تعيينات الخارج كمستشارين وكتاب ، وتم أيضا إصلاح نظام التدوير التلقائي الذي هو أبرز سمة من سمات نجاح العمل الدبلوماسي، وتم تحديث مناصب عدة مستشارين للوزير، مستشار حقوق الإنسان، ومستشار القضايا الشاملة، ومستشار إقتصادي ….
لاريب أن كل هذه الإصلاحات التي تطرقنا لها، جاءت انسجاما مع توجيهات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وتنفيذا لبرنامجه الإنتخابي الهادف إلى تنويع الشراكات وترسيخ دور موريتانيا كعامل استقرار إقليمي في المنطقة .
لذا لاغرابة في أن يشيد الرأي العام الوطني بكفاءة وقدرات معالي الوزير محمد سالم ولد مرزوك، فرسائل بيجل ولد هميد وماوراء سطورها ليست سوى تأكيدا لجدارة هذا الرجل لتقلد أعلى منصب يخوله خدمة البلاد من أوسع الأبواب، ولاسيما أن ولد مرزوك من الشخصيات السياسية الوطنية القلائل الذين لم تتلطخ أفواههم بالصراعات والمناكفات الشرائحية، مايمنحه رصيدا إضافيا لخدمة موريتانيا بكافة ألوانها وأطيافها وشرائحها، وإعادة زرع الثقة في نفوس الفئات المهمشة، وخفض الإحتقان الإجتماعي، ووضع حد للفعاليات القبلية والجهوية، التي تم حظرها إبان توليه لحقبة وزارة الداخلية سنة 2019.
ومن ثم ترسيخ قيم دولة المواطنة
دولة الكفاءة والمكافأة والمحاسبة
دولة مدنية حديثة تسع الجميع
دولة الكرامة الإنسانية والمساواة.
لما لا ؟
فالإصلاح الصغير يمكن ترجمته
إلا عملية إصلاح شاملة وعامة.
دامت موريتانيا آمنة ومستقرة
”من يعرف إيهام الجماهير يصبح سيداً لهم، ومن يحاول قشع
الأوهام عن أعينهم يصبح ضحية لهم.” كمايقول المعلم لوبون
عالم نفس الجماهير .
كتبه/ الشيخ عمي الشيخ صيار .