المواضيع الرئيسيةمقالات

العرب وصنهاجة و لحراطين في موريتانيا بين الماضي والحاضر نحو مستقبل العدالة والمساواة

تعد موريتانيا بلدا متعدد الأعراق والمكونات الاجتماعية والثقافية حيث تداخلت فيه منذ قرون عناصر أساسية: العرب ، صنهاجة ، الزنوج، لحراطين وقد شكل هذا التفاعل المعقد بين البعد العرقي والثقافي والطبقي ملامح الهوية الموريتانية، وإذا كان الماضي قد تميز بسيطرة البنى القبلية والتراتبية الاجتماعية فإن الحاضر يشهد جهودا متزايدة لبناء دولة القانون التي تقوم على العدل والمساواة غير أن الطريق لا يزال محفوفا بالتحديات
1\ العرب بين التاريخ والواقع
بدأت الهجرة العربية إلى موريتانيا منذ القرن 14م وأسسوا ثقافة جديدة قائمة على اللغة العربية والفقه المالكي والنظام الحساني وفرضوا سيادتهم العسكرية على صنهاجة خاصة بعد حرب شرببة في القرن السادس عشر.
أما الآن فإن العرب يشكلون مع صنهاجة ما يعرف بالبيظان ويهيمنون على السلطة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والثقافية
لكنهم يواجهون تحديات متعلقة بتحديث البنية القبلية خاصة أمام مكون لحراطين الذين يشكلون أغلبية مظلومة تاريخيا
2\ صنهاجة من الأصالة إلى الاندماج
صنهاجة هم السكان الأصليون للصحراء حيث أسسوا دولة المرابطين في القرن الخامس الهجري والتي لعبت أدوارا محورية في نشر الإسلام في إفريقيا والمغرب والأندلس
ومع دخول العرب فرضوا تعريب القبائل الصنهاجية واندمجت في الثقافة الحسانية العربية الاسلامية حتى أصبحت مكون واحد عرف بالبيظان واختفت اللغة الصنهاجية والأزير باستثناء بعض المفردات
وبقي الإرث السياسي والتاريخي الصنهاجي ركيزة في الوعي الجمعي الموريتاني
3\ لحراطين بين الماضي الطبقي والحاضر الحقوقي
_لحراطين هم أحفاد الأرقاء السابقين وقد لعبوا دورا أساسيا في الزراعة وتربية المواشي حيث كانوا جزءا من النظام الاجتماعي التقليدي الذي فرض عليهم التبعية.
وقد تم إلقاء الرق كظاهرة عالمية من قبل الإسلام منذ 14 قرن لكنها رجعت بقوة بعد اكتشاف القارة الآمريكية وتعاظمت في إفريقيا بين القبائل الإفريقية ومنها موريتانيا(تجارة المثلثة)
وألقت ابريطانيا العبودية 1807م وتم إلقاء الرق عالميا من الناحية القانونية في أغلب دول العالم كما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948م
وقد تم إلقاء الرق رسميا في موريتانيا 1981م
وتم تجريم الممارسة المرتبطة به سنة 2007م
وبرزت حركات حقوقية مثل أخوك الحرطاني ،حركة الحر،إيرا … وإن غلب على أغلبها الطابع السياسي غير أن الهدف المطالبة بالعدالة الإجتماعية
ويشكل لحراطين اليوم نسبة معتبرة قد تصل 40%
ورغم ذلك كله لا يزالون يعانون تهميشا وحيفا اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا
وقد بدأ الجانب السياسي للحراطين يفرض نفسه على المشهد السياسي الوطني
التحديات الراهنة
_استمرار الفوارق بين البيظان ولحراطين
_غياب مشروع جامع يتجاوز الإنتماءات القبلية
_ضعف الثقة في المؤسسات الحديثة مقابل قوة العصبية القبلية والتوفيق بين العروبة والإسلام والتعدد الإثني
حلول مستقبلية لبناء دولة القانون حرة ومستقلة
_مراجعة السياسات لضمان المساواة الكاملة أمام القانون
_تطبيق صارم للقوانين المجرمة للتمييز العنصري
_نشر ثقافة الوحدة الوطنية
_إعادة كتابة التاريخ الموريتاني بطريقة منصفة تعترف بدور جميع الاثنيات ،العرب ، صنهاجة ، لحراطين ، الزنوج…..
_دعم تعليم أبناء لحراطين والفئات المهمشة من المجتمع
_سياسة إدماج لحراطين في الوظائف العمومية والقطاع الخاص
_تشجيع مشاريع تنموية في المناطق المهمشة
_توسيع المشاركة السياسية لجميع المكونات من خلال لوائح مشتركة بين جميع الاثنيات
_تقوية المجتمع المدني والحركات الحقوقية
_مكافحة الفساد الإداري وشفافية الاكتتاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب على أساس الكفاءة والبعد عن التحيز القبلي
_تبني خطاب وطني يتجاوز الانقسامات العرقية والطبقية
_تشجيع الفنون والثقافة المشتركة كوسيلة للتقارب
_شفافية الوصول إلى السلطة بالطرق الديمقراطية واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية
_التمسك بالعروة الوثقى:الإسلام والإيمان والتوحيد
_المحجة البيضاء(الحديث)تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك
وفي الأخير فإن التجربة الموريتانية تظهر تفاعلا معقدا بين العرب وصنهاجة ولحراطين والزنوج، حيث أنتج الماضي هوية مشتركة لكنها غير متوازنة، وفي الحاضر برزت الحاجة الملحة إلى تجاوز رواسب الرق والطبقية والقبلية التي تنافي كيان الدولة، ولأجل بناء دولة حديثة تقوم على الحرية والعدالة والمساواة .
ولموريتانيا مستقبل واعد ، من خلال أنها دولة تمتلك كنوز الدنيا (السمك ،الذهب، البترول، الغاز، اليورانيوم…) وهذا المستقبل الواعد لن يتحقق إلا من خلال تعزيز الأمن وإصلاح التعليم وتمكين المهمشين ونبذ العنصرية والظلم والفساد وترسيخ دولة القانون والمؤسسات.

الدكتور: سيد محمد جدو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى