
في تمبدغه، لم يكن خطاب فخامة الرئيس مجرد كلماتٍ عابرة، بل لحظةَ وعيٍ عميقة، تعيد ترتيب المشهد الوطني على إيقاع الحكمة والمسؤولية.
تذكّرت بسماعه تدوينةً كتبتها في أغسطس الماضي، يوم كان الضجيج يغلب على البصيرة، والجدل السياسي يطغى على نقاش التنمية، و كنا بالكاد دخلنا مأمورية الشباب، وناقشنا الآفاق الجديدة، وإذْ بنا نغرق في دوامات الشائعات، نخاصم المنطق، ونغفل جوهر الديمقراطية التي نحلم بها.
اليوم، ونحن نستعيد خطاب العقل، أجدني أكرر ما آمنت به دومًا:
الديمقراطية لا تزدهر ببرلمانٍ أحادي الصوت، بل بتوازن المؤسسات وتكامل الرؤى، حيث يكون الاختلاف طريقًا إلى النضج، والشورى، لا إلى الاختلاف المزمن، والتنابز بالألقاب.
خطاب تمبدغه لم يُلقَ فحسب… بل أيقظ فينا السؤال الأهم:
هل نريد ديمقراطيةً تُبنى بالعاطفة، أم دولةً تُشيّد بالعقل؟
لقد آن الأوان ـ كما لاح من بين سطور خطاب تمبدغه ـ أن تُستعاد فكرة الدولة الفاعلة، لا الدولة المراقِبة فحسب، وأن يُعاد الاعتبار للمجالس الجهوية بوصفها الذراع الأيمن للتنمية، لا هامشها الإداري، لأن تلك المجالس إن أُعيد تنسيقها بروحٍ من الكفاءة والمسؤولية قادرةٌ على أن تكون الضمير العملي للّامركزية، وصوت الميدان في وجه البيروقراطية.
كذلك يعتبر تطوير الأداء البلدي مطلباً، ولم يعد ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة وطنية، تُعيد إلى المجموعات المحلية دورها التاريخي في البناء، والتعبئة والتنمية، فالإدارة حين تنزل إلى الأرض، تُصبح التنمية ممكنة، ويغدو القرار ثمرةَ مشاركةٍ لا أوامرَ مكتبية، وهنا نسجل ضرورة انتخاب مجالس بلدية ذات كفاءة علميا، وإداريا، وواقعيا، وافتراضيا، وشعبويا.
وأرى أن مشاركة الشباب في هذه المنظومة ليست خيارًا تجميليًا، بل واجب دولةٍ تريد أن تجدد دماءها، فمأمورية الشباب لا تتحرر إلا إذا فُعّلت إرادتها، ووجدت في المؤسسات فضاءها الطبيعي للعمل والتأثير.
لقد تحدّث الرئيس، ولكنّ ما بين السطور كان عميقا، فهو دعوة إلى بعث روح جديدة في الجسد الإداري الوطني، والمحلي، تُعيد إلى الدولة حيويتها، وإلى المواطن ثقته في أن المشاركة ليست شعارًا، بل طريقًا إلى المستقبل.

