المواضيع الرئيسيةمقالات

هل سيفقد النظام البنكي التقليدي دوره لصالح المحافظ الإلكترونية؟ / أمين الداهي

بفضل التطورات الهائلة في التكنولوجيا والتحول الرقمي في مختلف المجالات، ظهرت المحافظ المالية الإلكترونية وحلول Fintech الأخرى التي تعتمد على التشفير والذكاء الاصطناعي. وقد لاقت هذه الابتكارات استحسانًا كبيرًا من المستخدمين، خاصة هواة التكنولوجيا والشباب. ورغم التحديات التنظيمية والقانونية والاجتماعية ومشاكل الامن السيبراني التي قد تواجهها هذه التطبيقات، إلا أنها توغلت في معظم الأسواق المحلية والعالمية وأصبحت بديلاً شائعًا للنقود الورقية، وسهلت التعامل بين الأفراد والشركات والمؤسسات المالية، مما جعلها تسيطر على نسب مهمة من حركة السيولة اليومية في الاسواق، حيث بلغ استحواذها على حركة السيولة 45% في كل من كينيا وغانا لسنة 2022 حسب احصائيات الهيئات الدولية المختصة، كما انه في بعض الدول المتقدمة أصبح استخدام النقود الورقية محدودا جدا او شبه معدوم، كما ظهرت عملات عابرة للقارات مما قد يهدد نظام اسويبفت الدولي لتحويلات العملة الصعبة.
 
بدأت هذه المحافظ الإلكترونية المعروفة ب  (E-WALLET) بالظهور في موريتانيا اثناء فترة جائحة كوفيد 19 عام 2020، ولعب ذلك دورًا هامًا في انتشارها بسرعة لتجنب انتقال العدوى من خلال النقود الورقية. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت هذه التطبيقات على خطط تسويقية تروج لخدماتها كبديل عن البنوك التقليدية، من خلال تسهيل فتح الحسابات وتبادل الأموال بشكل غير محدود وفي أوقات خارج الدام الرسمي للبنوك التقليدية وتوفير السيولة سحبا وايداعا مما أثر سلبا أيضا علي محلات التحويل السابقة لها.
وبعد مرور أربع سنوات فقط من دخول هذه المحافظ المالية إلى السوق الموريتانية، ازداد انتشارها بشكل لافت ومكنت استراتيجياتها التسويقية المتنوعة من جذب مزيد من العملاء وتحفيزهم على توطين أموالهم في تلك المحافظ بدلاً من البنوك، مما تسبب في اختلال كبير في حركة السيولة، خاصة مع غياب أي تنظيم قانوني للمجال من قبل البنك المركزي الموريتاني. ليبقي السؤال الأهم هنا هو: هل سيفقد النظام البنكي التقليدي دوره لصالح هذه المحافظ المالية؟
يحتاج هذ السؤال الكثير من البحث والمتابعة وجمع البيانات والتقصي، ولكن سأحاول فيما يلي التطرق لعدة جوانب قذ تساعد على فهم اكثر لمجريات الأمور وتفتح الباب لمزيد من البحث والتدقيق من طرف المختصين وهي:

أولاً: نبذة عن النظام البنكي التقليدي: وهو البنية المالية التي تديرها البنوك الوسيطة بواسطة البنك المركزي، ويعتمد على البنوك كمؤسسات رئيسية لتقديم خدمات مالية للأفراد والشركات والمؤسسات. يتميز هذا النظام بوجود هيكل تنظيمي تقليدي يشمل فروعًا ووكالات مالية تعمل وفقًا للإجراءات واللوائح المصرفية المعمول بها. ولكن يتصف النظام المصرفي التقليدي بالكثير من التعقيدات نذكر منها:

التشريعات واللوائح المالية: يتطلب عمل البنوك التقليدية الامتثال لمجموعة من التشريعات واللوائح المالية المعقدة والمتغيرة، مما يتطلب من البنوك استثمار مواردها في الامتثال والتطوير المستمر.

التنافسية: يتزايد التنافس في القطاع المصرفي مع ظهور الشركات الناشئة وحلول التكنولوجيا المالية الجديدة، مما يجعل البنوك التقليدية تواجه تحديات في الحفاظ على حصتها في السوق وجذب العملاء الجدد.

تعقيدات الهيكل التنظيمي: قد تواجه البنوك التقليدية تعقيدات في هيكلها التنظيمي الثقيل والتكاليف العالية المرتبطة به، مما قد يجعلها تتعثر في اتخاذ القرارات السريعة والتكيف مع التغيرات في السوق

عزوف الموريتانيين عن الحسابات البنكية: في موريتانيا وحسب اخر الاحصائيات المقدمة من طرف البنك المركزي الموريتاني فان نسبة التغطية البنكية التقليدية لا تتخطى 15 % من مجموع السكان، ويرجع الخبراء الماليون ذلك لصعوبة الإجراءات وارتفاع التكاليف وضعف ثقة الموريتانيين في قطاع البنوك حيث يفضلون الحفاظ على أموالهم في خزائن خاصة بدلا من ايداعها في بنوك وسيطة سيتعذر عليهم سحبها منها لاحقا.

ثانياً: المحافظ الرقمية كبديل: تقدم المحافظ الرقمية العديد من التسهيلات كبديل فعّال وعملي للنظام البنكي التقليدي، من أهمها:

السهولة والوصول السريع: يمكن للأفراد فتح المحافظ الرقمية بسهولة وبسرعة، دون الحاجة إلى زيارة البنوك التقليدية وتعقيدات حساباتها.

التكلفة المنخفضة: غالبًا ما تكون رسوم المعاملات أقل بكثير في المحافظ الرقمية مقارنةً بالبنوك التقليدية، مما يمكن أن يوفر للمستخدمين المزيد من المال.
التنوع والمرونة: تقدم المحافظ الرقمية مجموعة واسعة من الخدمات المالية، مثل التحويلات الفورية والسحب والايداع بسهولة والاستثمار والتداول عن بعد، مما يوفر مزيدًا من المرونة والتنوع للمستخدمين.

الأمان والخصوصية: تعتمد المحافظ الرقمية على التشفير والتقنيات الأمنية المتقدمة لضمان أمان المعلومات والأموال، وتوفر مستويات عالية من الخصوصية للمستخدمين.

ثالثاً: ملخص اجابتي على السؤال: 
بالنسبة لي كمتخصص في الاقتصاد الرقمي: لا يعني مطلقا تطور التطبيقات المالية والمحافظ الرقمية نهاية النظام البنكي التقليدي، خصوصا في موريتانيا، بل قد يشكل ذلك تحولًا إيجابا في كيفية تقديم الخدمات المالية وتحفيز البنوك على التطور والتحسين من خدماتها. كما يمكن للتكنولوجيا المالية الحديثة مساعدة البنوك على تقديم تسهيلات أفضل لعملائها.

لكن سيتطلب الأمر مزيدا التنظيم القانوني والإشراف الفعّال من البنك المركزي الموريتاني والسلطات الرقابية المختصة لضمان توازن الأنظمة المالية المختلفة والحفاظ على استقرار السوق المالية وإدارة فعالة لحركة السيولة تجنبا للاختلال الحاصل حاليا فيها. ويجب ان يبقي الإطار التنظيمي والضبط الذي يمارسه البنك المركزي والسلطات الرقابية يقظا واضح المعالم في سن قوانين منظمة ومسهلة لعمل القطاعين ومحددة لنقاط التداخل والاختلاف بين مهاهم القطاعين بحيث لا يسمح للمحافظ ان تكون خزانا للأموال ولا للبنوك ان تكون محافظ.
وأخيرا من الضروري أيضًا أن تتطور البنوك التقليدية لتكون قادرة على التكيف مع التغييرات في السوق واحتياجات العملاء لتلبية التحديات الجديدة والاستفادة من الفرص القائمة.

أمين الداهي ــ خبير في الاقتصاد الرقمي ــ مجمع بوليتكنك ــ نواكشوط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى