عادة عواصم الدول شاهدة على تطور الأمم وتقدمها، باعتبارها قلب الدولة النابض وواجهتها الحضارية؛ لكن ماذا يحدث عندنا في موريتانيا أن العاصمة انواكشوط غدت عبئًا على الدولة بدلاً من أن تكون مركز إشعاعها ؛ خصوصا في ظل هذا ما تواجهه من تحديات لا حصر لها تجعل من فكرة تأسيس عاصمة جديدة ضرورة ملحة الآن الآن أكثر من أي وقت مضى.
في هذا المقال سنستعرض عشرة أسباب رئيسية تدعو إلى التفكير الجاد في إنشاء عاصمة جديدة لموريتانيا؛ وهذا الاستعراض لهذه الأسباب ليس مجرد انتقاد للوضع الراهن، بل هو دعوة للتفكير في نموذج العاصمة التي نريد؛ كمساهمة في رسم مسار جديد للتنمية الحضرية بالبلد بما يلبي بشكل مستدام احتياجات السكان ويدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفيما يلي الأسباب ال10 لتأسيس عاصمة جديدة :
1ــ الارتجال والهشاشة الملحوظة في جسم انواكشوط.
2- تسيب انواكشوط زمكانيا ،فالمكان متناثر إلا ما لا نهاية، والزمن يسير على ثلاثة مستويات بطيئ، بطيئ جدا، مترنح، بسبب الازدحام والعجز عن التكيف مع الزمن.
3ـــ انعدام لكل المعاني المعبرة عن العاصمة لا شوارع لا إنارات لا صرف صحي لا مظاهر جمالية.
-4 وقوع انواكشوط تحت رحمة حزام ديموغرافي فوضوي، حيث عرفت انفجارا ديموغرافيا شديدا، فبعد فترة وجيزة وصل عدد سكانها إلى 8.000 نسمة بحلول عام 1963 ، وبلغ عدد السكان 138520 نسمة في عام 1977 (أي أنّه تضاعف أزيد من 17 مرة عقد ونصف) ، واستمرت الزيادة خلال السنوات العشر الموالية، ففي عام 1988 وصل عدد سكان نواكشوط 393.325 نسمة بنسبة تقدر ب 52.75 % ، وستظل انواكشوط تحافظ علي زيادة عدد سكانها حيث تشير نتائج تعداد 2000 إلى أن عدد سكان نواكشوط بلغوا 558195 نسمة أي ما يعادل 22.2% من إجمالي السكان البالغ عددهم 2 508 159 نسمة، وقد تضاعف عدد سكانها 13 مرة في 13 سنة وفق إحصائيات 2013 بما يناهز 958.094 نسمة، ، نظرا لتدفقات الهجرة المرتفعة واتساع نطاق التحضر.
5 – التوسع العمراني للعاصمة فعلى مدى 66 عاما بدون توجيه أو سيطرة ، تسارعت وتيرة نمو مناطق التحضر غير القانوني التي أصبحت تنتشر بصفة واسعة على أطرافها؛ مثلت نسبة الأحياء العشوائية 37% من المساكن عام 1981 ثم ازدادت في العام الموالي حتى وصلت 42.7% ، وفي عام 1988 بلغت نسبة السكن غير القانوني 57.7% من إجمالي المساكن، ووفق إحصائيات 2013 تحتضن حوالي 76.6% من إجمالي سكان المدن، و56% من إجمالي السكان بالوسط الحضري مما جعل العاصمة انواكشوط تعيش أكثر من زمن بسبب فيضانات النزوح الريفي التي تفاقمت تحت تأثير ضربات الجفاف الموجعة.
6ــ استسلام مدينة انواكشوط أمام الفوضى فكل مقاطعات العاصمة نتاج احتلال غير شرعي للمجال والزحف الريفي.
7ـــ خلو العاصمة انواكشوط من الفضاءات الكبرى والطرقات والساحات والأشجار والفضاءات الترفيهية ، والديناميكية والانسجام والجمالية مما أفقدها قيمتها المعيشية والرمزية والنفسية ، فبدون عاصمة نظيفة مريحة وتتوفر على كل المتطلبات من نقل واتصالات وخدمات وعيش وأمن يصبح الإنسان بلا معنى وبلا إنتاجية.
8ــ تكديس السكان والخدمات في انواكشوط ، مما أفسد باقي الولايات الداخلية، وأفرغ كل المدن الداخلية من الحياة وصحرها.
9ـــ استعصاء الحلول لما تعانيه انواكشوط ، ونموها بشكل اعتباطي وعفوي حتى تغلبت الفوضى فيها على النظام، وسيطر الارتجال على كل شيء وبدى الاستعجال سيد الموقف في ظل زحمة النزوح جراء جحيم الجفاف.
10ـــ إصابة انواكشوط كعاصمة بالشيخوخة المبكرة، بسبب الازدحام والتلوث والتخطيط العمراني السيء مما جعلها تتحول لعبء ثقيل على الدولة يثقل كاهلها ويفقدها القدرة على السيطرة وبسط نفوذها خصوصا في ظل الأزمات كأزمنة تهاطل الأمطار .
تظل وضعية مدينة انواكشوط تستدعي وقفة صريحة وجادة من صناع القرار بالدولة بكل مؤسساتها للعمل على دراسة حول جدوائية التأسيس لعاصمة جديدة على أساس وعي الدولة بذاتها وعاصمتها ، فانواكشوط بوضعيتها الراهنة تحتاج لرصد استثمارات هائلة لبناء بنيتها التحتية من طرق وجسور وشبكات صرف صحي ومتيرو ومسارح وأسواق ودور سينما وحدائق وساحات، وتكاليف تأهيلها وتنظيمها كمدينة توازي تكاليف عاصمة جديدة، مما يؤكد أن حتمية التوجه صوب تعميق الجهود المبذولة لإنشاء عاصمة جديدة للبلاد لتوفير خدمات مثلى للسكان، وضمان استيطان منظم للسكان في مواقع مناسبة معدة ومزودة بالخدمات العامة والتجارية وتحسين إدارة السكان، أمر لن يتأتى بدون عاصمة جديدة للبلاد في إطار سياسة وطنية في مجال المدن الجديدة ، ذلك أن تعقيدات السياسات بالبلد وعدم نضجها وتخبطها وعجزها يوجد في عاصمة الدولة باعتبارها المكان الكثيف والحساس لها.