
هل تعلم أن مدينة كيهيدي كانت أول نقطة ينشئ فيها الفرنسيون إدارة مدنية في موريتانيا؟
بين عامي 1895 و1905، تحوّلت هذه المدينة الواقعة على الضفة اليمنى لنهر السنغال من ثكنة عسكرية حدودية إلى نموذج مبكر للمستعمرة التي كانت فرنسا تصوغها في موريتانيا.
في هذه التدوينة، نأخذكم في جولة تاريخية موثقة نكشف فيها:
■ لماذا اختارت فرنسا كيهيدي تحديدًا؟
■ ما الدور الذي لعبته في التوسع الاستعماري؟
■ وكيف تحوّلت من موقع عسكري إلى نواة إدارية لموريتانيا الاستعمارية؟
● كيهيدي في مرمى الطموح الكولونيالي
في نهاية القرن 19، كانت كيهيدي محاطة بمناطق مقاومة عنيفة، خصوصا من طرف الزعيم عبدول بوبكر، الذي اعترض القوافل الفرنسية ورفض دفع الضرائب، مما جعل الوجود الفرنسي في الضفة هشًا ومتقطعًا.
فرنسا كانت قد أدركت أن الغارات الموسمية لا تصنع نفوذا طويل الأمد، فقررت الانتقال إلى ما سمّته في الوثائق: “السيطرة الدائمة”، أي تحويل الثكنات إلى إدارات، والعساكر إلى موظفين .
● مارس 1895: القرار المفصلي
في 8 مارس 1895، أصدر الحاكم العام لإفريقيا الغربية الفرنسية قرارا بإنشاء “دائرة كيهيدي”، بعد فصلها عن دائرتي ماتام وبودور.
القرار دُعّم بمرسوم صادر عن وزارة المستعمرات بتاريخ 30 يونيو 1895 (رقم 172)، خصص 20,000 فرنك لبناء مركز إداري وثكنة عسكرية في كيهيدي.
● الهدف: تأسيس إدارة مركزية دائمة تضمن التحكم في المجال، وتكون قاعدة للتوسع لاحقًا نحو الداخل.
● كيهيدي… مثلث السيطرة
وصفت صحيفة Le Monde الفرنسية سنة 1891 كيهيدي بأنها “مثلث السيطرة”، لأنها:
■ تتحكم في طرق القوافل التجارية،
■ تقع على نقطة التقاء بين النهر والصحراء،
■ تشكل عقدة ربط بين سان لوي وباماكو ضمن مشروع مد التلغراف الفرنسي.
وهكذا أصبحت المدينة منصة لوجستية واستراتيجية للإدارة الفرنسية، وقاعدة أمامية لتجريب نموذج “الإقليم الإداري المندمج”.
● كيهيدي تتحول إلى مدينة استعمارية مصغّرة
ضمن ما سُمّي بـ “سياسة الوجود المستمر”، تم تجهيز كيهيدي بكل مقومات الحياة الاستعمارية:
• مقر قيادة الدائرة
• محطة للبريد والتلغراف
• مستوصف طبي
• مدرسة ابتدائية
• مستودعات تموين
• نقطة حراسة ثابتة
● يقول الصحفي الفرنسي كريسبان:
“في السياسة كما في الزراعة، حين نزرع، علينا أن نبقى ونتعهد الزرع حتى نحصده.”
● الإلغاء المفاجئ… ثم العودة الكبرى
سنة 1904، ألغت فرنسا “دائرة كيهيدي” ضمن مراجعة استراتيجية:
• ألحقت الضفة اليمنى بنظام حماية “بلاد البيظان”،
• عادت الضفة اليسرى إلى ماتام،
وظل الرحل تابعين إداريا لماتام فقط خلال مواسم الزراعة.
و مع احتلال فرنسا رسمياً لموريتانيا، عادت كيهيدي لتتصدر المشهد من جديد :
■ 18 أكتوبر 1904: صدر مرسوم بإنشاء “الإقليم المدني الموريتاني” و إعلان گوگول منطقة إدارية.
■ 25 ديسمبر 1905: إنشاء “دائرة كوركل” بعاصمتها أمبود، مع اعتماد كيهيدي كنقطة إدارية محورية تسمى إقامة كيهيدي.
● كيهيدي كبنية تأسيسية لموريتانيا الاستعمارية
تجربة كيهيدي تقدم نموذجًا متكاملًا لكيفية بناء مستعمرة في موريتانيا من خلال:
■ استخدام الجغرافيا كأداة تحكم
■ تفكيك المقاومة بالقوة والبيروقراطية
■ تحويل التمويلات إلى مؤسسات
■اختبار النموذج الإداري قبل تعميمه
وهكذا، شكلت كيهيدي أول حجر في بناء “موريتانيا الفرنسية”، وكانت المختبر المركزي لتجريب النموذج الاستعماري في الحكم والإدارة.
📚 المراجع :
صحيفة Le Monde, عدد 346، 19 ديسمبر 1891
مرسوم رقم 172، 30 يونيو 1895
قرار الحاكم العام، 8 مارس 1895
صحيفة Le Rappel, عدد 7841، 29 أغسطس 1891
#تاريخ_موريتانيا
#كيهيدي