Uncategorizedالاخبارالاقتصادالمواضيع الرئيسيةمقالات

رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني والحرب علي الفساد/ملاي محمد ولد الصادق

النعمة /الحوض الشرقي

رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني والحرب على الفساد

منذ أن أعلن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عزمه الصادق على شن حرب شاملة ضد الفساد وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة في مؤسسات الدولة والمجتمع بدأت مرحلة جديدة من الوعي الوطني بهذه الظاهرة التي ظلت عبر عقود طويلة أحد أكبر معوقات التنمية وأخطر التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع في آن واحد وقد جاء خطاب رئيس الجمهورية الأخير ليؤكد أن الحرب على الفساد ليست مجرد شعار سياسي عابر بل رؤية استراتيجية وإرادة حقيقية لبناء دولة العدل والمؤسسات
غير أن القضاء على الفساد لا يتحقق بمجرد إعلان النوايا أو إصدار القرارات بل يتطلب فهما عميقا لجذوره وأسبابه المباشرة وغير المباشرة القديمة منها والحديثة لأن الظاهرة ليست طارئة بل هي نتاج مسار طويل من التراكمات السلوكية والإدارية والثقافية التي تحتاج إلى تشريح دقيق ومعالجة شاملة
فالأسباب القديمة المباشرة لانتشار الفساد تعود أساسا إلى ضعف منظومة الرقابة الإدارية وغياب الشفافية في التسيير وانعدام المتابعة الدقيقة لمختلف المشاريع والبرامج التنموية حيث ظلت كثير من الإدارات تفتقر إلى آليات صارمة للمحاسبة والمساءلة مما جعل المال العام عرضة للتبديد وسوء التسيير كما أن غياب التخطيط المؤسساتي الرشيد أدى إلى تضخم الأجهزة الإدارية دون مردودية حقيقية فانتشر التسيب الإداري وذابت الحدود بين المال العام والمصلحة الشخصية
أما الأسباب القديمة غير المباشرة فتتجسد في البنية الاجتماعية التقليدية التي قامت على الولاء للقبيلة أو الجهة أو الشخص لا للمؤسسة والقانون فصارت الحماية الاجتماعية بديلا عن العدالة والمحاسبة كما ساهم غياب الوعي المدني وضعف التربية الأخلاقية في المدارس في ترسيخ ثقافة التساهل مع الفساد بل اعتباره أحيانا نوعا من الذكاء أو المهارة في التعامل مع الواقع الإداري المعقد
وفي المقابل ظهرت أسباب حديثة زادت من تفاقم الظاهرة بعضها مباشر وبعضها غير مباشر ومن أبرز الأسباب الحديثة المباشرة تغلغل المصالح الخاصة في دوائر القرار العمومي من خلال صعود رجال الأعمال والموردين إلى قبة البرلمان والمجالس الجهوية والبلدية حيث أصبح المشرع أحيانا طرفا في الصفقات بدل أن يكون رقيبا عليها الأمر الذي أضعف مبدأ فصل السلطات وشوّه وظيفة الرقابة الشعبية كما أن اتساع هامش النفوذ المالي دون رقابة فعالة جعل من الرشوة والسمسرة سبيلا للوصول إلى المناصب والصفقات
أما الأسباب الحديثة غير المباشرة فتتجلى في التحول القيمي الذي أصاب المجتمع حين أصبح الثراء السريع رمزا للنجاح بغض النظر عن مصدره فانهارت المعايير الأخلاقية وضعفت القدوة الحسنة كما أن وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي لم تلعب الدور المطلوب في نشر ثقافة النزاهة والشفافية بل ساهم بعضها في تلميع الفاسدين وتبرير ممارساتهم
وانطلاقا من هذه المعطيات فإن الحرب على الفساد لا يمكن أن تنجح إلا عبر خطة استراتيجية وطنية شاملة تتكامل فيها الأبعاد المؤسسية والتشريعية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية وتتجسد فيها الإرادة السياسية العليا التي عبر عنها رئيس الجمهورية بوضوح في خطابه الأخير

وتقوم هذه الخطة على أربع ركائز أساسية

الركيزة الأولى إصلاح المنظومة المؤسسية وذلك بإعادة بناء أجهزة الرقابة والتفتيش ومنحها الاستقلالية الكاملة والسلطة القانونية الكافية لفتح الملفات دون تدخل سياسي أو إداري مع تفعيل دور محكمة الحسابات وهيئات التفتيش القطاعية وربط تقاريرها بالمواطن من خلال نشرها للرأي العام لضمان الشفافية والمساءلة

الركيزة الثانية الإصلاح التشريعي من خلال مراجعة القوانين المتعلقة بالصفقات العمومية وتمويل الأحزاب ومصادر الثروة الشخصية للمسؤولين وإقرار قانون يجرم الإثراء غير المشروع ويعاقب عليه بعقوبات رادعة لا تسقط بالتقادم كما ينبغي اعتماد نظام رقمي حديث لتتبع الصفقات والمناقصات يتيح الرقابة الفورية ويغلق منافذ التلاعب

الركيزة الثالثة الإصلاح التربوي والثقافي وذلك بغرس قيم النزاهة والانضباط في المناهج الدراسية وتكريس التربية المدنية في المدارس والجامعات وتفعيل دور الإعلام الوطني والمجتمع المدني في نشر ثقافة الشفافية والعدل لأن المعركة ضد الفساد هي في جوهرها معركة وعي قبل أن تكون معركة قوانين

أما الركيزة الرابعة فهي الإصلاح الاقتصادي عبر تنويع مصادر الدخل الوطني وتشجيع الاقتصاد المنتج القائم على العمل والإبداع بدل الريع والصفقات كما يجب تقليص هيمنة المال العام على النشاط الاقتصادي لفتح المجال أمام القطاع الخاص النزيه القادر على المنافسة العادلة في بيئة شفافة ومنظمة

وحتى تكتمل أركان هذه الخطة لا بد من تفعيل الرقابة الشعبية وتمكين الصحافة من الوصول إلى المعلومات دون قيود لأن المواطن الواعي هو أقوى سلاح في وجه الفساد والمجتمع الصامت على المفسدين شريك لهم في الجريمة بصمته وسكوته

إن إرادة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في محاربة الفساد تمثل نقطة تحول في مسار بناء الدولة الموريتانية الحديثة وهي فرصة تاريخية يجب ألا تضيع في دوامة البيروقراطية أو المزايدات السياسية فالحرب على الفساد ليست حرب أشخاص بل حرب قيم ومؤسسات وهي معركة طويلة تتطلب صبرا وثباتا وإيمانا بأن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق إلا حين يصبح القانون فوق الجميع وحين يشعر المواطن أن كرامته محفوظة في ظل دولة العدل والنزاهة
وبذلك فقط يمكن القول إن موريتانيا دخلت فعلا مرحلة جديدة من تاريخها مرحلة يسود فيها العدل ويُحترم فيها المال العام ويعلو فيها صوت القانون على كل الأصوات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى