مقالات

قانون إنشاء الأحزاب السياسية وقانون الصحفي المهني / أبيه محمد لفضل

في خطوة تشكل تحوّلًا نوعيًا في المشهد السياسي الموريتاني، صادقت الجهات المعنية على قانون جديد ينظم إنشاء الأحزاب السياسية في البلاد، إلى جانب إطلاق منصة رقمية مخصصة لتسجيل هذه الأحزاب، وفق شروط ومعايير واضحة وصارمة. هذه الخطوة المنتظرة من قبل المتابعين والفاعلين في الشأن السياسي، تمثل انطلاقة فعلية نحو إصلاح الحياة الحزبية وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها لسنوات.
لقد كانت موريتانيا، ولسنوات طويلة، ساحة مكتظة بعشرات الأحزاب السياسية التي لم تكن في غالبيتها سوى كيانات ورقية بلا قواعد شعبية حقيقية، ولا تأثير ملموس في الحياة العامة. هذا التعدد الشكلي أضعف الفعل السياسي، وساهم في خلق حالة من التشويش على المواطن، وأفقد العمل الحزبي مصداقيته ومكانته كإطار للتأطير السياسي والتعبير عن تطلعات الناس.
القانون الجديد جاء ليضع حدًا لتلك الفوضى، وليفتح المجال أمام نشوء أحزاب سياسية حقيقية، تملك قواعد جماهيرية راسخة، وتُدار من طرف نخبة متعلمة وواعية، تدرك جيدًا مسؤولياتها وواجباتها. أحزاب تحمل مشروعًا إصلاحيًا واضح المعالم، وتساهم بفعالية في تجديد الطبقة السياسية، وإفراز قيادات تمتلك الرؤية والكفاءة للمساهمة في نهضة الوطن وبنائه.
إن عصرنة العمل الحزبي لن تُحقق إلا من خلال هذه الخطوات الجادة التي بدأت الدولة في تنفيذها، وهو ما يحتم على جميع الفاعلين دعم هذا التوجه والانخراط فيه بوعي ومسؤولية.
وفي السياق ذاته، لا يمكن أن نغفل أهمية المرسوم التنفيذي الذي صادق عليه مجلس الوزراء أمس، والمتعلق بتطبيق قانون الصحفي المهني. فهذا القانون بدوره يُعد نقلة نوعية في سبيل تنظيم الحقل الإعلامي، ويضع أسسًا واضحة لممارسة مهنة الصحافة وفق معايير مهنية وأخلاقية تحفظ للصحفي كرامته، وتحمي المهنة من الدخلاء والمتطفلين.
لقد عانى الحقل الصحفي، كما الحقل السياسي، من فوضى أضرت بصورته وسمعته، وكان لا بد من تدخل تشريعي حازم يعيد الأمور إلى نصابها. ومع تطبيق هذا القانون، ستبدأ مرحلة جديدة من التمكين للصحفيين المهنيين، وتحقيق الاستقرار والاحتراف داخل الجسم الصحفي الموريتاني.
نحن أمام مسارين متوازيين من الإصلاح والتطوير؛ أحدهما سياسي والآخر إعلامي، وهما معًا يشكلان حجر الأساس لأي نهضة ديمقراطية حقيقية. فالإعلام المهني والسياسة الرشيدة هما وجهان لعملة واحدة: دولة القانون والمؤسسات.
ختامًا، يبقى الرهان الأكبر هو التطبيق الصارم والعادل لهذه القوانين، وضمان عدم الالتفاف عليها، حتى تتحقق الأهداف المرجوة، ويعيش المواطن الموريتاني تحولًا حقيقيًا في الأداء السياسي والإعلامي، يؤسس لدولة حديثة قوية وقادرة على رفع التحديات.
الصحفي
آبيه محمد لفضل
مدير موقع “أخبار الوطن” ورئيس تجمع المؤسسات الإعلامية المستقلة في موريتانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى