عمت أجواء الفرح لدى عائلات إيرانية انطلق أفرادها لأداء العمرة، بعد انتظار دام سنوات طويلة لم يتمكنوا خلالها من السفر للسعودية، منهم عائلة محسني التي عبّر أفرادها عن فرحهم باستئناف رحلات العمرة، وينتظرون مطلع الأسبوع القادم كي يتجه الأم والأب لأداء المناسك.
ويجري الوالدان اتصالات هاتفية مع الأقارب والأصدقاء، وزيارات لتوديعهم قبل المغادرة لأداء العمرة، وفق الآداب والسنن في إيران، حسب تصريح الابن الأكبر أمير للجزيرة نت. في حين تقول ابنتهما زينب إنها تشعر حقا بسعادة والديها عند حديثهما مع الأقارب، وهما يطلبان منهم “تبرئة الذمة” قبيل السفر.
وبعد انقطاع دام 9 سنوات، غادرت يوم الاثنين الدفعة الأولى من المعتمرين من مطار طهران الدولي، بعد أن ودعهم السفير السعودي عبد الله العنزي، واستقبلهم في المدينة المنورة سفير إيران لدى السعودية علي رضا عنايتي، حيث يأتي ذلك بعد مرور عام ونيف على استئناف العلاقات بين طهران والرياض بعد اتفاق بكين.
تقارب متسارع
في هذه المرحلة من رحلات العمرة، والتي تنتهي قبل بدء موسم الحج، سيتوجه إلى السعودية حوالي 5700 معتمر إيراني، حسب رئيس منظمة الحج والعمرة عباس حسيني، كما أن نحو 5 ملايين و600 ألف إيراني سجلوا رسميا في رحلات العمرة، وفق المصدر نفسه.
وبعد بدء إيفاد المعتمرين الإيرانيين بيوم واحد، كشف سفير السعودية لدى إيران عبد الله العنزي عن تسمية محمد نوار العتيبي قنصلا سعوديا عاما في مدينة مشهد الإيرانية، مشيرا إلى أنه سيبدأ مهامه فور إتمام الإجراءات في غضون أسبوعين.
ولا يزال أمر السماح بعودة السفر بين إيران والمملكة قيد البحث، وفق العنزي، الذي لفت إلى أن المواطن السعودي يحتاج إلى موافقة رسمية من خلال منصة “أبشر” لخدمات الداخلية السعودية قبل السفر إلى إيران.
وتجري جهود مكثفة من جانب السفيرين الإيراني والسعودي “لتحقيق أماني الشعبين الإيراني والسعودي في تقارب البلدين” كما يؤكد السفير الإيراني السابق بالسعودية وعمان في حديثه للجزيرة نت، موضحا وجود إرادة قوية من جانب السعودية في تحقيق هذا التقارب، مستدلا بتعيين قنصل سعودي في مشهد.
وبدوره يرى رئيس لجنة الصداقة الإيرانية السعودية محمد رضا نوري شاهرودي أن العلاقات المشتركة تشهد تطورا وتعمقا بشكل يومي، وقال “هذا بفضل وحنكة وجهود البلدين الجارين المهمين” مستدلا على كلامه بفتح المجال للمعتمرين الإيرانيين بعد سنوات الانقطاع، وأكد أن اللجنة ترحب باتخاذ هذه القرارات الجديدة، وأنها ستتخذ الخطوات اللازمة لتطوير العلاقات لاسيما الاقتصادية.
القضايا الدينية تجمع
ومن جانب آخر، اعتبر الخبير في العلاقات الإيرانية السعودية محمد رضا مرادي أن هذه المستجدات تمثل معطيات مهمة في مسار العلاقات بين البلدين، موعزا ذلك إلى كونها في المجال الديني.
ورأى مرادي -في حديثه للجزيرة نت- أن إيران والسعودية قررتا تقريب تعاطيهما مع الأحداث، حيث كان البلدان قبل اتفاق بكين واستئناف العلاقات بينهما بمثابة المنافسين المتخاصمين، لكنهما بعد ذلك قررا الحفاظ على التنافس دون الخصام.
ووضح أن “الملفات السابقة في المنطقة بدأت بالحلحلة” حيث كان اليمن أهم ملف بين إيران والسعودية، وقال “شاهدنا في العام الأخير أن اليمن يمر بحالة من الاستقرار، ويبدو أن الحرب فيه قد انتهت، بالرغم من عدم الاعتراف الرسمي بذلك” كما نفى وجود أي عائق أمام تطور العلاقات بين البلدين، مبررا ذلك بأن الملفات التي كانت عالقة وتنطوي على خلافات، مثل اليمن وسوريا والعراق وحتى لبنان، بدأت تأخذ مسار الحلول واحدة تلو الأخرى.
وتمثل التقارب بين البلدين، حسب وصف المتحدث ذاته، باستئناف إيفاد المعتمرين وتعيين قنصل سعودي في مشهد، معتبرا أن هذين المستجدين يؤكدان دخول علاقات البلدين مرحلة جديدة أعمق من قبل، بعد ما يزيد من عام على استئنافها، حيث إن القضايا الدينية والمذهبية كانت تسبب تحديات دائمة، بينما تساهم حلحلتها بتعميق العلاقة، وضرب مثالا على ذلك بفتح المجال لتسهيل مجيء المواطنين الشيعة في السعودية لزيارة مرقد إمامهم الثامن في مشهد، حسب وصفه.
كما قال مرادي إن تعيين قنصل في مشهد يحمل رسالة إلى إيران والعالم أن السعودية تخطت التوتر مع طهران، وهي تتخذ نهجا جديدا في تعريف علاقتها معها، مؤكدا أن هذا سيضاعف الأمن والاستقرار في المنطقة.