في كل مناسبة سياسية؛ خصوصا في ظروف الحملات الانتخابية، وبشكل أخص تلك المرتبطة بالاستحقاقات الرئاسية؛ تشهد الولايات الداخلية ومدنها وقراها وحواضرها حراكا سياسيا شعبيا كبيرا يقوده الأطر والفاعلون السياسيون وأصحاب الأموال والنفوذ؛ عنوانه الوحدة ورصف الصفوف، وغايته دعم مرشح السلطة أو مرشحيها وضمان فوزهم الباهر ونجاحهم الكبير في أول شوط..
إن لهذا الحراك الموسمي حسنة كبيرة، حيث يعيد الناس ربط الصلة بأرحامهم ومعارفهم وأهليهم، ويتذكر بعضهم بعضا ويهتم به، ويُشعر قادة هذا الحراك المقودين فيه بأنهم مازالوا كما كانوا محل رغبة واهتمام، حتى وإن طال الإهمال وطال الجفاء..
وكثيرا ما ينتهي هذا الحراك الكبير بلقاء أكبر يَنظر فيه الحاضرون عن قرب إلى قلوب بعضهم بعضا؛ ثم يعلنون أمام الكاميرات وأجهزة التسجيل والتصوير أنهم جميعا قد تجاوزا خلافاتهم وقرروا أن يكونوا جميعا على قلب رجل واحد منهم (ربما بسبب قناعتهم بانعدام الفروق بين قلوب الحاضرين ومخبئاتها)، ومؤكدين أن الفضل في هذا التوحد الجديد يعود لرغبة الجميع في إنجاح مرشح السلطة أو مرشحيها..
ومن طبيعة وخصائص هذه التظاهرات الفريدة أنها لا تصلح لتكون فرصة لطرح أسئلة من قبيل: ولماذا اختلفنا أصلا؟!، وعلى ماذا اتفقنا الآن؟!..
وبفضل هذه الثغرة المقصودة يظل الطريق دائما معبدا للعودة إلى نقطة الصفر، وإلى دائرة الخلاف والجفاء والشحناء بمجرد انتهاء الموسم السياسي، وبذلك أيضا يظل الطريق سالكا ومعبدا من أجل العودة لاستغلال شعار “الوحدة وتجاوز الخلاف” بمجرد حلول استحقاق جديد وموسم انتخاب جدبد..
وهكذا دواليك….
إن هذه النتيجة السزيفية أمر طبيعي ومفهوم؛ لأن “الوحدة” المزعوعة تأتي دائما استجابة لظرف متغير سريع الزوال، وليس ابتغاء مرضاة رب حي دائم باق لا يزول..
ومن ربط أمره بزائل زال معه، ومن ربطه بثابت دام معه..
فهل يتفكرون، أو يتعظون!!