ليس من أعجب مانرى أن تقف المعارضة في وجه سياسات محاربة الفساد .
فقد رأيناها قبل تعلق فشلها في حصد الأصوات على النظام الذي هزمها ، وتعلق مسؤولية عجزها في الحصول على تزكية على أحزاب الأغلبية التي ستنافسها في الانتخابات .
صحيح أن سلوك ساستنا مختل وفق معايير المنطق السياسي ، ولكن الأمر تجاوز الاختلال مرتقيا مراقي العجب .
فعندما قرر رئيس الجمهورية جعل محاربة الفساد قضية محورية في كل برامجه وتعهداته ، كان ذلك القرار متبوعا بإجراءات متواصلة ودؤوبة .
ومن الواضح أن هذه الإجراءات كانت مصممة ضمن استراتيجية متكاملة تعتمد فيها الأدوات على بعضها وتعالج كل منها ثغرات الأخرى .
كما أنها تميزت بالتراتيية والتعدد ، إذ وسعت الشراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمواطن العادي .
ابتدأ الأمر بفصل واقعي للسلطات واستجابة فورية لفتح التحقيقات في الملفات المعلن عنها من قبل الصحافة والمدونين ، حيث أحالت أول لجنة برلمانية ملفا خاصا بالفساد للمتابعة القضائية ، وتم تحييد العلاقات الشخصية والمكانة المعنوية للمشمولين حتى يقول القضاء كلمته في حياد تام .
ولم تنشر أي جهة ملفا عن فساد إلا وأعلنت الدولة عن فتح تحقيق شامل فيه .
ثم تم إصلاح قوانين المفتشية العامة للدولة ومحكمة الحسابات والمفتشيات القطاعية والعمل على تعزيز استقلاليتها و كفاءتها قانونيا ولوجستيا.
ثم أعلن عن قوانين تسيير ومتابعة المؤسسات العمومية وأطلقت النسخة المطورة من برنامج رشاد .
وبدأنا نسمع عن لجان التفتيش التي تحط رحالها كل يوم في مؤسسة جديدة وترفع التقارير .
بدأنا نسمع – و للمرة الأولى – عن إقالات بمجلس الوزراء جراء أو بعد الاطلاع على تقرير للمفتشية العامة للدولة .
بدأنا نرى ميزانيات ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد دون توسع في الإجراءات الضريبية ولا زيادة لها ( نجاعة الرقابة على التسيير ) .
بدأنا نرى تمويلات ضخمة ومباشرة تتجه للمحرومين والمهمشين دون وسيط سياسي ولا مؤسسي .
بدأنا نرى سجلا اجتماعيا مخصصا للفقراء حقا لا المحشورين بمعرفة الوسطاء .
بدأنا نسمع حديثا عن الحرب الاستباقية للفساد وعن هيئات وإجراءات معنية حصرا بمحاربة الفساد .
بدأنا نسمع عن إصلاحات قانون الأحزاب (دكاكين التربح السياسي الأكثر قذارة وفسادا) .
اليوم أصبح المواطن هو الرقيب الأول والأكثر حضورا وحيوية في الحرب على الفساد ، ويتعاضد جهده ومسؤوليته مع جهد ومسؤولية مؤسسات الدولة .
ولا تزال الاجراءات متواصلة ولا تزال الحرب مستمرة ولا يزال الرئيس غزواني مصرا على التزامه للشعب الموريتاني في هذا الصدد .
كل ذلك وغيره بالنسبة لمعارضتنا مجرد عبث استعراضي يخضع لقاعدة التسييس الأشهر (إن أعطوا منها رضوا … ) .
ما نحن بحاجة إليه حقا هو الحرب على فساد الخطاب النخبوي المضلل والمتحيز للمصالح الشخصية والخاضع لسياسة “تسمين المواقف ” .
فمن ياترى سيعارض الحرب على الفساد وفي نفسه بقية أخلاق أو شيء من التقوى ؟
من ياترى سيكلف نفسه بمحاربة فساد مواقفه وتحيزاته النفعية والشخصية من رجالات المعارضة .
لقد عارضت معارضتنا كل شيء حتى أتى اليوم الذي عارضت فيه محاربة الفساد .