يشكل “الموقف/الحدث” في مخيلة التلميذ و الطفل بشكل عام ركنا مكينا من أركان تشكل شخصيته المستقبلية. و من ظن أن هذا الحدث الموغل في الرمزية لن يلقي بظلاله مستقبلا على أنماط تفكير هؤلاء الطلاب البسطاء الذين ما كانوا يحلمون بهذه الحفاوة و هذا الاستقبال و هذا الإفطار الباذخ في قصر الرئاسة و من طرف فخامة الرئيس…
صحيح أن اللحظة التاريخية لا تتكرر، ولكن المستقبل المنظور سيتحدث عن وعي القائد على ألسن الطلاب عندما يكبرون و يتقلدون المناصب و الرتب العليا…
إنها خطوة كبيرة بمنطق الكبار والصغار على حد السواء، لفتة كريمة تكشف نظرة استشرافية للمستقبل الذي ينبغي أن نصل إليه انطلاقا من مستوانا النفسي والفكري الذي نحن عليه الآن.
كنت قدمت أفكارا في بداية الشهر السابع من سنة 2023 حول توسيع دائرة مدارس الامتياز سبيلا إلى التعميم التدريجي لها بعد استحالة إغلاقها تزامنا مع الإغلاق التدريجي للمدرسة الأساسية في التعليم الخصوصي تناغما مع فكرة تجسيد المدرسة الجمهورية الحقة التي يجب أن تضمن تكافؤا حقيقيا للفرص بين أبناء مختلف مكونات الشعب الموريتاني من حيث المدخلات و المخرجات، و من حيث الاحتضان و التكوين.
و هذه فرصة لإعادة إبراز هذه الأفكار على نحو مقتضب.
1. فتح مؤسسات امتياز ثانوية جديدة بناء على النتائج من خلال تحويل مؤسسات قائمة إلى مؤسسات امتياز، و سيكون لهذه الخطوة ما بعدها من تحسين لظروف المدرسين و توفير جو أفضل و بيئة دراسية “ممتازة” للتلاميذ؛
2. إلغاء سن الولوج الحالية إلى وظيفة معلم أو أستاذ المحددة بست وثلاثين و العودة إلى المجال (25-18) لضخ دماء شبابية جادة ليست لديها ارتباطات اجتماعية ضاغطة وليست لها التزامات شاغلة و تتمتع بلياقه بدنية وذهنية قادرة على العطاء لفترة تمتد على مدى 10 سنوات على الأقل بعد التخرج، فلقد كان قرار رفع سن الاكتتاب في الوظيفة العمومية قرارا ارتجاليا لأنه لم يستثن التعليم، و قد تسبب في ولوج معلمات أمهات أسر لا يمكن تحويلهن بعد التخرج إلى مناطق بعيدة أو معزولة، كما تسبب في ولوج رجال خبروا التسكع على جدران نقطة ساخنة و سيارات النقل العمومي بعد تخرجهم من الجامعة، فكيف ينتظر من جيل هذه مواصفاته أن يكون له دور في صلاح التعليم؟!، إن إلقاء نظرة استشرافية على مستقبل أشخاص التعليم خلال العشرية المنظورة سيتبدى له -والحال هذه- واقعا مأساويا ينذر بكارثة حقيقية من أبسط تجلياتها الشيخوخة المهنية و العجز الناجم عن أمراض العصر المزمنة (السكري و الضغط والعمى) إضافة إلى ما تقدم من التزام أسري يقتضي ملازمة الأبوين في الكبر، فطبيعي أن يكبر الأبوان بعد كبرة أبنائهم؛
3. إلزام مؤسسات التكوين الأولي للمدرسين بإخضاع المعلمين والأساتذة لفترة تدريب و خدمة عسكرية إجبارية مدتها 45 يوما في إحدى المدارس العسكرية؛
4. التوقف خمس سنين متتالية عن فتح و إنشاء المدارس الابتدائية و الإعدادية، و التوقف عن ترفيع الإعداديات إلى ثانويات طوال الفترة كلها، و ترتبط هذه الفكرة بالفكرة الموالية؛
5.إغلاق مؤسسات التعليم الثانوي التي يقل عدد تلاميذها عن 100 في الإعداديات و 200 في الثانويات، وتقليص عدد المدارس الابتدائية غير المكتملة إلى أقل عدد ممكن من خلال تشجيع ودعم التجميعات المدرسية في القرى و الأرياف و الحواضر التي تنتشر فيها المدارس من فئة (ج) فهل من المعقول أن نشاهد نزوح السكان من القرى و الأرياف نحو المدن والحواضر الكبرى و مع ذلك نظل نفتتح كل عام مدارس أهلية في هذه الأرياف و القرى لا هدف لها إلا استغلالها من طرف (الفاعلين) مكتبا انتخابيا في المواسم يتاجرون به مع الدولة و يلمعون نخبهم المهترئة عقولها بسبب سياسة خرقاء جوفاء لا تقيم وزنا للمصلحة العامة ، و لا تحسب حسابا لمستقبل الأمة و أجيالها اللاحقة. و لا يمكن لهذه الخطوة أن تتم دون إجراء مشاورات وطنية و أيام تفكيرية حول إصلاح الخريطة المدرسية سبيلا إلى محاربة التقري العشوائي الذي يرهق كاهل الدولة و يشتت جهودها في توزيع الموارد و المصادر البشرية في قطاع التعليم، و إن قيم بهذه الخطوة فإنه لا غنى عن لاحقتها؛
6. تشجيع النقل المدرسي الحكومي للتلاميذ إلى المدارس مع توفير ما يستلزمه ذلك من موارد مالية و بنية هيكلية قطاعية، و بنية تحتية موازية كشق الطرق و تعبيدها و بناء المساكن و نقل بعض السكان إن لزم الأمر.
إن هذه الخطوات -إذا ما قيم بها وفق التدرج المنهجي- ستشكل نواة أصيلة للتغلب على أكبر مشاكل التعليم، حيث ستضمن جودة الفعل التربوي و ستكرس قيم المدرسة الجمهورية الجامعة، و سترفع من قيمة المدرس و تعيد الألق إلى مكانته الرفيعة في المجتمع و ستقضي تدريجيا على كل الاختلالات الناجمة عن النقص في المدرسين عندما نصل إلى حذف السنة الرابعة الإعدادية في أفق 2026.
3 دقائق