لولا قدسية المواعيد الإنتخابية فى النظم الديمقراطية الحديثة ، وإلزامية الآجال الدستورية المتعارف عليها؛ والترتيبات القانونية المطلوبة لتوكيد المؤكد، وتثبيت الواضح؛ لما كنا اليوم فى موريتانيا بحاجة إلى اجراء أي انتخابات رئاسية، بحكم المعلوم من عزوف النخب السياسية والمالية عن منافسة الرجل الممسك بزمام الأمور منذ يونيو 2019، وانحياز الشعب الواضح لمشروعه ؛تصريحا وتلميحا وفعلا على الأرض ؛ انحياز ترجم ثقة الشعب فى المعلوم من السياسة والتسيير منذ انتخاب الرئيس . إنها خمس سنوات من التهدئة والحوار العقلاني، والإنشغال اليومى بما ينفع الناس ويمكث فى الأرض ، ومعالجة كل التحديات المطروحة بهدوء وروية فى بلد ما أتعقد فيه الإجماع على الجنوح للتهدئة مع حاكم منذ الإستقلال، كما هو واقع اليوم.
لايمتلك الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى بالطبع عصى سحرية لتغيير الواقع الذى ورثه بين عشية وضحاها ؛ ولكنه كما قال الخليفة الزاهد عمر ابن عبد العزيز ذات يوم لولده المتحمس من أجل قلب قواعد اللعبة السياسية فى نظام الأمويين – وقد عرف إخلاص والده وصدق سريرته ورغبته فى التغيير – : ألا يكفيك ياولدي أن أباك يحيي كل يوم سنة ويميت كل يوم بدعة ؟ .
إنها سنة التدرج والإنتقال السلس من الواقع السيء بكل تفاصيله إلى ميدان تأخذ فيها الرؤي الإصلاحية مداها المطلوب ، ويعلى فيه من منطق الخير والإنجاز، وكسب قلوب الرعية عبر إجراءات ملموسة على الواقع بعيدا عن دغدغة المشاعر وتقديم النفس للجمهور فى أثواب من القدسية الزائفة ، لاتلبث أن تنهار فى أول اختيار . مشروع يثبت كل يوم قدرته على تعزيز التنمية القاعدية فى جهة ما من جهات وطننا الحبيب ، والقدرة الفائقة علي إغلاق أبواب كانت مشرعة للنهب والتبذير وسوء التعامل مع الرعية؛ ضمن مسار ستكون نهايته دون شك، حكامة رشيدة، وحقوق مصانة، ومكاسب مبثوثة ؛ لاينزف عنها محتاج ، ولايصدع عنها صاحب حق.
إن الاستحقاق الانتخابي الذى أطل برأسه (نهاية يونيو 2024) ، ليس سوى محطة من محطات المراجعة والتفكير داخل معسكر السلطة الحالى، والإستمتاع بقيمة العلاقة الوطيدة مع الشعب أوقات الرخاء ، فى وقت يتحسس فيها مجمل القادة داخل العالم العربى وخارجه رقابهم ، وهم يصارعون من أجل تثبيت كراسي الحكم التي وصلوا إليها بالانتخاب أو الانقلاب ؛ إنهم يخشون ضياعها كلما عنت لحظة الجد وتوجه الناخب للإدلاء بصوته، أو حدث تحرك عسكرى لأصحاب الأحذية الخشنة فى قطر من الأقطار ، بفعل الإحساس بضعف المشروعية السياسية ، وغياب المنجز، و التحديات التي فرضتها معطيات العالم المتحول بشكل غير مسبوق ، أو كرستها سياسات غير رشيدة ، وإجراءات متخذة دون تقدير لعواقب الأمور .
لايحتاج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى للنزول بثقله السياسى داخل الساحة المحلية من أجل ضمان أغلبية ساحقة هي فى الأصل مضمونة، بفعل المعلوم من ضعف المنافسين فى معسكر المعارضة وقوة الحجة لدى الرئيس وبعض معاونيه . ولايحتاج إلى تعديل وزاري فى الوقت بدل الضائع لتنشيط التولفة الوزارية الحالية ؛ فأنظار الجميع ماعادت تنظر لبعض التفاصيل هنا أو هنالك ؛ بل أعين الكل مشدودة نحو الحكومة المتوقعة بعد الانتخابات الرئاسية القادمة ، لأنها الضامن بعد الله عز وجل للشروع دون تأخير فى خمسية جديدة من البناء والتعمير والإنجاز . ولايحتاج الرجل لتغيير ديوانه – كما يزعم البعض ويتمنى فى الوقت الراهن- بل للتمكين لمدير ديوانه الحالى ، فى موقع يضمن منه تنفيذ ما ألتزم به الرئيس للشعب دون تسويف ، ومتابعة المشاريع التنموية من موقع صاحب القرار المفوض بتنسيق العمل الحكومى، وقيادة مسار التنمية فى الداخل ، ضمن الخطوط العريضة لبرنامج رئيس الجمهورية ذاته. ليتفرغ الرئيس لتسيير ماهو أولى وأهم فى الوقت الراهن ؛ العلاقات الخارجية، والملفات العسكرية والأمنية ؛ وإصلاح العدالة ؛ عبر مسار يضمن المحافظة على كيان البلد فى ظل أوضاع معقدة بالإقليم، والحضور فى المشهد العالمى عبر استغلال المتاح من نقاط القوة والتأثير؛ وتحصين الواقع بعدالة ناجزة ، لاحيف فيها ولاتقصير.
إن المتاريس التى يحاول البعض وضعها اليوم أمام المستقبل المنتظر لحسابات سياسية ضيقة ؛ هي متاريس من ورق ، وحجج واهية فى ظل نظام رئاسي يحق لرئيس الجمهورية فيه ، التمكين لمن أراد من معاونيه بغية إنجاز مشروعه المجتمعي وفق المعايير التي يريد ، وإنهاء مسار أي شخص فى أي موقع داخل السلط الثلاثة ؛ لتخلوا لصاحب القرار أدوات السلطة دون قيد أو شرط ، يوازن بها كيف يشاء. ومن حملته إرادة الرئيس، وتوجيهه لمنصب تنفيذي أو قيادة مؤسسة من المؤسسات الدستورية ، عليه دوما أن يستحضر إمكانية الرحيل بنفس المنطق الذى أوصله للمنصب ؛ وبشكل قانوني لا شية فيه ولا إحراج.
إن من يساند رئيس الجمهورية ويدعمه، وينحاز للشعب ويتطلع للتغيير فى بلده، يلزمه مساندة الرئيس فى خياراته الكبرى، ورفع الحرج عنه؛ ليختار الأنسب والأصلح لتسيير المجال الحكومى، ومن أختار نفسه ومنصبه وسمعته وأحاديث المتعاطين للشاي من حوله؛ عليه قبل ذلك وبعده أن ينظر فى الدستور الذى صادق عليه الشعب، وأستقر به العمل ، وميزان القوى على أرض الواقع ، وأن يدرك ببساطة أن صاحب القرار واحد، والخيار خياره؛ ومن الأنانية أن تطلب منه التضحية بمصالحه ومصالح شعبه من أجل إرضاء فلان أو علان، أو المحافظة على توازنات ما أنزل الله بها من سلطان، فى بلد يحتاج للتنمية ومحاربة الفقر ومكافحة الفساد أكثر من حاجته للتنميط والمحاصصة القبلية والجهوية والفئوية والتمكين للأشخاص على أسس مفضولة بشهادة الجميع.
(*) مدير موقع زهرة شنقيط