لم تعد لمشتقات جذر كلمة (ق.ط.ع) معنى لدى السامع في مدينة كيفه ، وذالك لكثرة ماسمع وعاش من ما يترتب على معاني هذه المشتقات من : (قَطع ، قُطع ،انقطع ، مقطوع ، قاطع وانقطاع … الخ).
فالماء في مدينة كيفه مقطوع عن الأحياء التي تصلها الشبكة ، خمسة أيام في الأسبوع على أحسن تقدير.
الكهرباء مقطوعة يوميا بالتناوب بين الأحياء ، وقد تشهد انقطاعات عامة بين الفينة والأخرى تدوم لساعات .
دكاكين أمل وما يعرف محليا بسمك “عزيز ” مقطوع تموينها أكثر أشهر السنة وإذا استأنف يستأنف منقوصا في الكمية و رديئا في النوعية .
دكاكين عملية رمضان انقطع تموينها بالمواد الأساسية في الأسبوع الثاني ، ليقتصر على ثلاث مواد ثانوية من أصل سبع .
في مركز الإستطباب بكيفه ، تنقطع اللقاحات الأساسية لمدة سنوات ، وتنقطع بعض فحوص المخبر لمدة أشهر ، نتيجة نقص المواد المخبرية ، وتنقطع بعض المعاينات المتخصصة ـ على قلتها ـ نتيجة السفر الدائم للأطباء الموكلة إليهم خارج المدينة ، أو وجودهم داخلها منشغلين بأعمال أخرى في القطاع الخاص.
كما ينقطع التموين المتواضع لبنك الدم ـ المفلس أصلا ـ نتيجة عدم وجود الأكياس المخصصة لحفظ دماء المتبرعين ، هذا في الوقت الذي ينقطع فيه عمل أجهزة غسيل الكِلَى لمدة أيام .
ويستمر مسلسل الإنقطاعات في كيفه ، ليصل المشاريع الوهمية المتدخلة في المدينة ، والتي ينقطع ذكرها بانتهاء مراسيم تدشين مقراتها ، وتعليق لافتات واجهاتها لتبقى هذه المقرات ، خاوية على عروشها حتى انتهاء مأمورياتها أو مدتها .
تنقطع أخبار وملاحقة اللصوص والمجرمين الذين يُرَوِّعون ساكنة المدينة من حين لآخر، عندما يصلوا مخافر الشرطة .
تنقطع حركة المرور على المحاور الطرقية النشطة وفي السوق المركزي ، نتيجة تصرف وممارسات سائقين متهورين لا يعرفون لقانون السير احتراما ، ولا يخافون عقوبة ولا رادعا ، أو باعةٍ وتجارٍ احتلت معروضاتهم وسط الشارع العام .
تتقطع في فصل الخريف أوصال أحياء مدينة كيفه لركود المستنقعات المائية ، في أكثر الطرق والزقاق الموجودة بها ، والتي هي أصلا غير معبدة ولا ممهدة ولم يراعى في رسمها مخططا عمرانيا سليما للمدينة يقيها العشوائية ، ليجد سالكوا هذه الطرق والمطبات أنفسهم مجبرين على التراجع أو الإلتفاف الى جهة أخرى ، سواء كانوا راكبين أو راجلين ، ليصل الأمر ببعضهم حدَّ اختراع جسورِ ومعابرِ قِطَع الحجارة المتأرجحة لتفادي السباحة في هذه المياه الآسنة المُوحلة ، في مهمة عبور تُذَكر بالألعاب المائية الترفيهية في المسابح الألمانية ، وذالك ليصل هؤلاء الى مرافق عمومية تمت محاصرتها بهذه المياه ، كمسجد الجديدة وجارته إدارة الأمن ومستوصف اتويميرت …الخ
ولا تتوقف الانقطاعات في مدينة كيفه عند هذا الحد ، حيث يطالعنا انقطاع شبكة الانترنت عن مراكز القيد والوثائق المؤمنة والمصارف لينقطع العمل بهذه المصالح ولو مؤقتا .
وليس أهون الإنقطاعات في مدينة كيفه ، انقطاع بث المحطة الجهوبة للإذاعة الذي ينقطع يوميا دون تبرير أو إعتذار من القائمين على المحطة ، ليستأنف بعد ساعات وبصفة رديئة بالإلتحام بالإذاعة الأم في انواكشوط ، وذالك لإفتقار المحطة الجهوية لأي برامج تثقيفية دينية أو صحية أو اجتماعية أو ترفيهية ، هذا الفقر الموروث عن الأم ، التي لم تعد تَقْتات إلا على عمليات اجترار وإعادة مملة لبعض الندوات والحملات الدعائية المنحطة في المستوى والمغالِطة للرأي العام .
فرحم الله أيام أوج ازدهار إذاعة موريتانيا ، مع محاضرات علمائنا الأجلاء ، وندوات قادة رأينا المتنورين وإنعاشات صحفيينا اللامعين ، وبرامج مثقفينا وأدبائنا وفنانينا ومسرحيينا الجادين المتمكنين .
وأخيرا فكل شيء في مدينة كيفه ينقطع ، إلا الحملات الدعائية الممنهجة والورشات والملتقيات المضللة ، وزيارات وبعثات الاحزاب المدجنة ، والاجتماعات القبلية المقيتة.
فرحم الله من انقطعت انفاسهم في هذه المدينة ، بفعل تأثير ضغوط الحياة اليومية الصعبة ، وانقطاع الأمل بعيش غد أفضل وأكثر أمانا.
النهاه ولد أحمدو