في ملعب الجنرال سيني كونتشي بالعاصمة النيجيرية نيامي ووسط حضور شعبي كبير، خلّد أعضاء المجلس الوطني لحماية الدولة الذكرى الأولى لانقلاب 26 يوليو/تموز 2023 الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم.
وبين أعضاء المجلس العسكري وآلاف المناصرين، برز رئيس الدولة الجنرال عبد الرحمن تياني الذي ألقى خطابا قال فيه إن “نهب ثروات البلاد من بين أمور عديدة دفعت بالجيش إلى تحمل المسؤولية، وإن الأولوية في العمل أصبحت تتجه نحو تعزيز السيادة الاقتصادية من خلال دعم التنمية المحلية وتقليل الاعتماد على الجهات الأجنبية”.
ورغم مواردها من اليورانيوم التي تلبي ربع احتياجات دول بلدان الاتحاد الأوروبي من الطاقة النووية، إلا أن النيجر تقع في المرتبة السادسة من قائمة الدول الـ10 الأكثر فقرا في العالم؛ إذ يعيش نحو 44.5% من السكان في الفقر المدقع، حسب بيانات البنك الدولي.
ثروات هائلة
منذ عام 2012، دخلت النيجر نادي الدول المنتجة للنفط بنسبة لا تتجاوز 20 ألف برميل يوميا، وفي 2019 وقّعت عقدا مع شركة البترول الصينية لاستغلال حقل أغاديم في الشمال وإنتاج 110 آلاف برميل يوميا، وتكلف الجانب الصيني ببناء خط أنابيب من الحقل حتى ساحل بنين ليكون مكانا للتصدير.
وفي عام 2021، حققت النيجر قفزة كبيرة في إنتاج الذهب، حيث بلغت صادراتها 2.7 مليار دولار بعد أن كانت في حدود 160 مليون دولار عام 2011، ما جعلها من أكثر البلدان الأفريقية نموا في هذا العام، إذ سجلت ارتفاعا بنسبة 11%.
وبالإضافة لليورانيوم والذهب والنفط، تمتلك النيجر ثروة من خام الحديد تصل إلى 9.2 مليارات طن، و1.25 مليار طن من خام الفوسفات، وتقدر احتياطاتها من الغاز بـ24 مليار متر مكعب قابلة للاستخراج.
وتشير البيانات المنقولة عن وزارة الزراعة في النيجر إلى أن قطاع الثروة الحيوانية يعد من أهم موارد الاقتصاد المحلية للسكان، إذ يتجه أغلب المواطنين إلى تربية المواشي، ويبلغ مجموعها 50.5 مليون رأس حسب إحصاءات 2019، وهو ما يعادل 7 مليارات دولار، وتنتج البلاد قرابة 5 ملايين طن من المحاصيل الزراعية سنويا.
فساد وفقر
لكن هذه الثروات الكبيرة لم تنعكس على البلاد؛ إذ يعيش قرابة نصف السكان في الفقر الخطير بسبب عدم قدرة الحكومة على التدخلات المرتبطة بالتنمية والخدمات العامة. وتحتل البلاد المرتبة الأخيرة في العالم بمؤشر التنمية البشرية الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقبل انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 كانت تعتمد على المانحين في موازنتها العامة بنسبة 40%.
ومنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، ارتبطت بعقود اقتصادية مع شركات فرنسية، ويعتقد الكثير من المثقفين والمهتمين بقضايا التنمية أن تلك الشراكات تمثل نهبا لخيرات البلاد وثرواتها.
وتشير العديد من التقارير الاقتصادية إلى أن فرنسا كانت تنفرد باستخراج اليورانيوم مقابل نسبة 5% فقط وذلك بالتنسيق والتواطؤ مع الحكام العسكريين السابقين، وبعد ضغوط شعبية ومظاهرات نظمتها هيئات المجتمع المدني عام 2014 ارتفعت نسبة الحكومة إلى 15%.
وفي تقرير نشرته لموند الفرنسية في يناير/أيار الماضي فإن ذهب النيجر يُهرّب منه الكثير خارج البلاد بدون أن يسجل لدى وزارة المعادن، وفي بداية العام الجاري أوقفت السلطات في مطار أديس أبابا شحنة من سبائك الذهب تصل إلى 1400 كيلوغرام؛ أي حوالي (91 مليون يورو) كانت في طريقها للتهريب.
ونقلت الصحيفة عن منظمة الشفافية الدولية، أنه في عام 2020 وصلت صادرات الذهب الفعلية إلى 34.24 طنا في حين تم إبلاغ وزارة المعادن بـ 18.2 فقط، وأضافت المنظمة أن ممارسات الفساد المتعلقة بتهريب ثروة البلاد أمر مألوف بين المسؤولين في الحكومة.
السيادة الاقتصادية
لكن الانقلابيين الذين وصلوا إلى السلطة عام 2023 بعدما أنهوا الارتباط العسكري مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية أعلنوا أنهم سيتوجهون لتحقيق السيادة الاقتصادية في إشارة إلى إنشاء شركات محلية أو التوجه نحو شركات غير فرنسية.
وفي خطابه في 26 يوليو/تموز الماضي بمناسبة مرور سنة على الانقلاب، قال رئيس المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني إن “ثروات البلاد كانت عرضة للنهب من قبل نظام يدور في فلك القوة الاستعمارية السابقة، وإن النهب الدائم للثروة والتهديدات الوجودية هما ما جعلا العسكريين يتحملون مسؤولياتهم ويقفون أمام من يريدون إبقاء البلاد في حالة الفقر”.
وأكد تياني أن صناعات التعدين والنفط ستُعطى فيها الأولوية للشركات المحلية لتعزيز السيادة الاقتصادية ومن أجل تفعيل “مبدأ المحتوى المحلي” في إدارة الصناعات الاستخراجية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، سحبت الحكومة العسكرية في نيامي رخصة شركة أورانو الفرنسية المتعلقة بتشغيل منجم إيمورارين والذي تقدر احتياطاته بـ200 ألف طن من اليورانيوم.
وتعمل أورانو في النيجر منذ 1971، وما زالت تتولى تسيير أحد المناجم في منطقة “أرليت” لكنها تواجه مشاكل في الاستخراج.
وبالتزامن، قالت الشركة في تقريرها النصف سنوي إنها تكبّدت خسائر مالية قدرها 133 مليون يورو بسبب الأزمة مع فرنسا، واعتبرت أن سحب رخصتها غير قانوني وستواجهه أمام المحاكم الوطنية والدولية.
وفي وقت سابق، قال رئيس المجلس العسكري الحاكم إن نظامه سيعمل في الوقت القريب على تدشين مشروع بناء مصفاة جديدة للنفط ومجمع للبتروكيميائيات في إقليم دوسو.
وفي بداية أغسطس/آب الحالي أطلقت السلطات أعمال مصنع جديد للحديد الخرساني بلغت تكلفته حوالي 2.9 مليون دولار، وتتولى استغلاله شركة “نيجر ستيل” الوطنية. وبمناسبة تدشينه قال وزير التجارة والصناعة السيد عثمان صيدو إن هذه بداية للتوجه نحو تطوير الصناعات التحويلية الذي التزمت به الحكومة الانتقالية.
الاعتماد على الموارد
وخلال العام الجاري اعتمدت النيجر على مواردها المحلية في الميزانية العامة بمبلغ قدره 2653 مليار فرنك أفريقي (4.4 مليارات يورو) خصصت منها 57% لمجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي أول مرة تقر فيها البلاد موازنة عامة بدون إعانات خارجية.
وكانت نيامي تتلقى دعما ماليا من المانحين يمثل نسبة 40% من الميزانية العامة، لكن أغلب الشركاء علقوا مساعداتهم بعد الانقلاب الأخير، وهو الأمر الذي دفع بقادة الانقلاب إلى برمجة ميزانية 2024 بدون مساعدات أو هبات.
وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الخبير المالي ومستشار وزير الاقتصاد الموريتاني عبد الله ولد أواه إن النيجر يمكن أن تصمد في الاعتماد على مواردها إذا استمرت في نهج التقشف والتركيز على بند نفقات الاستثمار ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومؤخرا بدأت نيامي في تصدير نفطها من حقل أغاديم إلى ميناء سيمي كبودجي في بنين ليتم تسويقه للخارج، وأخذت الحكومة 400 مليون دولار قرضا من الصين لدعم موازنتها العامة على أن تسدده بعد تصدير النفط.
وتسعى النيجر مع بوركينا فاسو ومالي الذين شكلوا تحالف كونفدرالية دول الساحل، إلى فك الارتباط النقدي مع باريس، لأن الدول التي تعتمد على عملة الفرنك الأفريقي ملزمة بالاحتفاظ بنسبة 85% من احتياطاتها من العملة الصعبة لدى البنك المركزي الفرنسي.
وفد تركي برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان في زيارة عمل إلى النيجر للبدء في إبرام صفقات بين البلدين (الأناضول)
شركاء جدد
وفي سياق السعي لتحريك عجلة الاقتصاد والبحث عن شركاء جدد لاستخراج الموارد وتنفيذ سياسة التوجه نحو دعم مبدأ المحتوى المحلي الذي وعد به قادة الانقلاب، كثفت النيجر مساعيها لإيجاد مستثمرين في مجال الاقتصاد والتجارة.
وبعد زيارة عمل أجراها رئيس الوزراء علي محمد الأمين زين إلى تركيا وإيران بداية العام الجاري، تتابعت زيارات المسؤولين الأتراك إلى نيامي لتعزيز مسار التعاون الاقتصادي والعسكري.
وفي يوليو/تموز الماضي أجرى وفد تركي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان زيارة عمل إلى النيجر للبدء في إبرام صفقات اقتصادية وعسكرية، وضم الوفد وزيري الدفاع والطاقة والمعادن. وعلى هامش اللقاء المشترك قال علي زين إن بلاده ستقدم كافة التسهيلات للشركات التركية الراغبة في الاستثمار في مجالي الطاقة والتعدين.
ومواكبة لسياسة الابتعاد عن حلف فرنسا، اتفقت النيجر وتشاد على بناء خط أنابيب في فترة زمنية مناسبة لتصدير النفط النيجري عبر ميناء الكاميرون، ليكون بديلا عن ميناء سيمي كبودجي في بنين التي يتهمها المجلس العسكري بالاصطفاف مع فرنسا.
وفي الأسابيع الأخيرة، تم تبادل الزيارات بين المسؤولين في نيامي والعاصمة الجزائر، ورجعت العلاقات بين البلدين لما كانت عليه قبل الانقلاب.
البان: المجلس العسكري في النيجر يبدي رغبته في التخلص من التبعية الاقتصادية لباريس (الجزيرة)
وفي التاسع من أغسطس/آب الحالي اتفق البلدان على استئناف بناء خط أنابيب الغاز الذي يربط بين نيجيريا كبلد منبع والنيجر كدولة مرور، والجزائر كمركز تصدير إلى إيطاليا وإسبانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي، وتحملت الحكومة الجزائرية أعباء حصة النيجر من تكاليف المشروع، كما عادت شركة سوناطراك الجزائرية للعمل في نيامي.
وفي 13 من الشهر الجاري، أجرى رئيس الحكومة النيجرية زيارة إلى الجزائر ومعه وفد رفيع ضم عضوين في المجلس العسكري الحاكم، في خطوة اعتبرها مراقبون أنها تعكس رغبة نيامي في البقاء ضمن عمقها في منطقة الساحل، كما تشير إلى اهتمام واضح للعثور على شركاء اقتصاديين يتبنون سياسية مناهضة لفرنسا.
وفي حديث للجزيرة نت، قال الكاتب المختص في الشأن الأفريقي سلطان البان إن المجلس العسكري في النيجر يبدي رغبته في فسح المجال أمام الشركات التابعة لحلفائه الجدد والتخلص من التبعية الاقتصادية لباريس.
وأضاف البان أن انشغال المجلس العسكري بفك الارتباط العسكري والأمني مع فرنسا والغرب بشكل عام عطل العمل بشكل سريع على الجانب الاقتصادي لكنه يعوّل على عائدات النفط المرتقبة في الوقت العاجل.
حبيب الله مايابى